د. منتصر صباح آلشمخي الحسناوي *
المؤتمر بمعناه البسيط، اجتماع لعدد من الأشخاص لمناقشة أمر ما. وهو بهذا المعنى يتشابه مع: الاجتماع، والملتقى، والندوة، والجلسة… لكن هذا المعنى له عدة أدوار تأريخية، اتسع في معناه الحقيقي، ليكون صناعة لها قواعدها البروتوكولية والدبلوماسية منذ مطلع القرن التاسع عشر وتحديداً مع مؤتمر فينا، الذي نظم أوضاع أوربا بعد نابليون، وتبع ذلك عدة مؤتمرات عالمية كمؤتمر جنيف 1864 ومؤتمر لاهاي 1899 الذي يعد أول مؤتمر عالمي يعقد بظروف بعيدة عن الحرب، ومع مطلع القرن العشرين، كان هناك نشاط كبير للمؤتمرات الدولية، التي اتخذت الطابع التجاري وغير الحكومي، لا سيما مع ظهور النقابات، التي لم تستمر طويلاً إذ عم الركود العالم صناعة المؤتمرات من 1915 إلى 1945 بسبب الحربين العالميتين، بعد ذلك توسعت إقامة المؤتمرات بشكل كبير مع تطور وسائل النقل وظهور الشركات المتعددة الجنسيات وإنشاء المراكز المتخصصة لإقامة المؤتمرات بشكل متزايد في كثير من الدول ولا سيما المتقدمة منها.
ومع مطلع القرن الحالي، الذي شهد ولا يزال ثورة تطور وسائل التكنولوجيا والعولمة، وظهور موضوع الاستدامة والبيئة، وكثير من التخصصات الفرعية والجديدة، كان هناك تحول أساسي في صناعة المؤتمرات، تجاوز معها الهدف الرئيس لموضوع المؤتمر، سواء كان السياسي منها أو التجاري أو الأكاديمي أو الثقافي، ليكون أحد أهم قطاعات السياحة المتنامي فالمؤتمرات الكبيرة، التي تتسع آلاف المشاركين وصولاً إلى مئات الألوف… ما شجع على إنشاء عدد من المراكز الكبرى للمؤتمرات في كثير من الدول مع تشجيع إنشاء المدن المتخصصة لذلك، التي تحتوي على الفنادق والمطاعم بأنواعها ووسائل الترفيه والصناعات المحلية والسياحة المحلية وما يرتبط بها من تطوير للبنى التحتية، التي تعمل بمجملها على إيجاد بيئة مناسبة ومنافسة للمؤتمِر السائح على الاستجمام والتسوق وتجعل منه بذات الوقت مصدر للترويج الإيجابي للسياحة، التي باتت موردًا مهمًا لكثير من دول العالم، بل أصبحت موردًا رئيسًا لعدد من المدن المتطورة في هذا المجال كسنغافورة ولوغسنبورغ.
ولا يقتصر الأمر على الجانب الاقتصادي رغم أهميته، فسياحة المؤتمرات هي جانب مهم في تقارب المجتمعات، وهي لغة صامتة للتسامح والألفة ونبذ خطاب الكراهية، لا سيما أن المؤتمرات عادة ما تجمع أصحاب الاهتمامات المشتركة القادرين على التفاهم والانسجام. ولسياحة المؤتمرات أبعاد سياسية تعزز من قوة البلدان ومهابتها وحضورها الدولي.
في العراق ومع الظروف، غير الاعتيادية، التي مر بها، لم يكن لهذا القطاع إلا نسبة بسيطة من الاهتمام، كبناء قصر المؤتمرات، وفندق الرشيد، المخصص له في مطلع الثمانينيات؛ واعتمد على قاعات المؤسسات الحكومية والأكاديمية، وعدد من الفنادق في إقامة المؤتمرات، التي تكون بمجملها غالباً استهلاكية بمفهومها السياحي، وهنا لا بد من نقطة تحول مع الاستقرار الذي يتمتع فيه العراق وارتفاع خط التنمية بإرادة حقيقية من قبل حكومة المهندس محمد شياع السوداني في واقع دولي يفتقر له ليستثمر هذا القطاع من خلال إيجاد البنى التحتية له و تأهيل كوادر وبرامج مخططة تكون من حيث انتهى الآخرون. ونتطلع به أن يكون العراق وجهة عالمية لسياحة المؤتمرات مع ما يتمتع به من موقع جيوسياسي وأرضية خصبة تنتظر من يستثمرها.
* مدير عام دائرة قصر المؤتمرات