القصف الإسرائيلي يبيد عائلات فلسطينيَّة بأكملها

بانوراما 2024/08/18
...

 سارة الديب  

 ترجمة: مي اسماعيل

تقتل الحملة الجوية والبرية الإسرائيلية في غزة عائلات فلسطينية بأكملها، وإلى درجة لم يسبق لها مثيل من قبل.. إذ هلكت سلالات بأكملها (أحيانا أربعة أجيال من نفس العائلة) في غاراة واحدة أو سلسلة من الغارات الجوية على أفراد عوائل كانوا يحتمون معا من القنابل؛ وغالبا دون أي تحذير مسبق.كشف تحقيق أجرته وكالة “أسوشييتد بريس” الصحفية ان نحو ستين عائلة فلسطينية (قتل نحو خمسة وعشرين أو أكثر من أفرادها) قتلت خلال الشهور الثلاثة الاولى من الحرب على غزة؛ وهي المرحلة الاكثر دموية وتدميرا خلال تلك الحرب التي تجاوزت الآن شهرها العاشر.

لم يبق أحد تقريبا من تلك العائلات لتوثيق حصيلة القتلى، كما لا يستطيع آلاف الفلسطينيين تحديد مصير جميع موتاهم، لأن الكثير من الجثث لا تزال تحت الأنقاض. شمل تحليل «أسوشييتد بريس» سجلات الضحايا الصادرة عن وزارة الصحة في غزة حتى آذار الماضي، وإشعارات الوفاة عبر الإنترنت، وصفحات وجداول البيانات على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالعائلة والأحياء، وحسابات الشهود والناجين، إضافة لبيانات شركة «Airwars” غير الربحية ومقرها لندن (= منظمة مراقِبة للصراعات، تعمل على تتبع وأرشفة الحرب الجوية الدولية- المترجمة). كما وثّقت الوكالة وحللت الموقع الجغرافي لعشر ضربات جوية إسرائيلية (بين 7 تشرين الأول و24 كانون الثاني 2023) قتلت بمجموعها أكثر من خمسمئة فلسطيني. من أصعب الحالات هنا: عائلة :المغاربي” التي قضى نحو سبعين من أفرادها جراء غارة واحدة أواخر العام الماضي. وهناك عائلة “أبو ناجز” التي قُتِل نحو خمسين من أفرادها في الغارات الأولى؛ ومن بينهم امرأتان حاملتان. وفقدت عشيرة “دغمش” الكبيرة نحو 44 فردا في غارة على أحد المساجد، وارتفع العدد الإجمالي بعد أسابيع لأكثر من 100 قتيل. وبحلول الربيع، قُتل أكثر من ثمانين فردا من عائلة “أبو القمصان”، ويقول “حسن أبو القمصان”: “الارقام صادمة..”. 


لا تحذير.. لا مهرب: 

 كان قطاع غزة تحت الحصار فعليا قبل الحرب؛ ولكن منذ بدء الحرب أقفلت اسرائيل ومصر كليا المعابر الى القطاع بوجه فرق التقصّي الخارجية والمحققين المستقلين. وكافح مئات المراسلين المحليين وتنقلوا هنا وهناك لتغطية القصف الإسرائيلي المستمر (نحو ستة آلاف عملية قصف خلال الايام الخمسة الأولى من الحرب)؛ وهم يفرّون بحياتهم في ذات الوقت ويبحثون عن مأوى لأنفسهم وعوائلهم. أثناء الشهر الاول من الحرب أعلنت وزارة الصحة بقطاع غزة أن نحو ثلاثمئة عائلة فلسطينية فقدت أكثر من عشرة أفراد؛ وهي ضعف نسبة الفقدان خلال حرب الواحد وخمسين يوما المروّعة عام 2014. ضربت الغارات العشر التي حللتها الوكالة مباني سكنية غالبا، ومنازل وملاذات تجمّع فيها الأهل والاطفال والأجداد، متكدسين معا طلبا للسلامة. 

لم يكن هناك هدف عسكري واضح أو تحذير مباشر للسكان. من هؤلاء عائلة «السلام» التي فقدت 270 فردا على الاقل.. رفعت العائلة علما أبيض فوق مبناهم؛ الذي كان وسط موقع معارك، وأخبروا الجيش أنهم لن يُغادروا إذ لا مكان بات آمنا. قُتِل نحو 170 فردا من الاسرة في عمليتي قصف خلال ثمانية أيام. وقتلت ثلاثة غارات خلال اربعة أسابيع ثلاثين فردا من عائلة «الأغا»، كما قتلت سلسلة من الغارات على مخيم للاجئين شهر كانون الاول الماضي 106 أشخاص من اربع عوائل.. وكان هجوم 24 كانون الأول المرة الأولى التي تعترف فيها اسرائيل بالقصف «الخطأ» لموقع يجاور الأهداف المقصودة. مسحت قنابل هجوم اسرائيلي واحد على مخيم «جباليا» المكتظ للاجئين شمال غزة مربعا كاملا من المباني.. وقُتِل نحو أربعين فردا من أسرة «أبو القمصان»، بينما لا تزال الحصيلة النهائية لضحايا ذلك الهجوم (31 تشرين الأول) غير معروفة حتى اليوم. وعلى غير المعتاد؛ حددت اسرائيل هدفا هنا؛ قائلة انها كانت تسعى وراء قيادي كبير من حماس. 


جرائم الحرب والابادة

  تقول إسرائيل إنها تتخذ إجراءات للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين، وخلال الصراعات السابقة كانت أحيانا تُحذّر المدنيين الذين سيجري استهداف مناطقهم. ولكن في هذه الحرب لم يجرِ استخدام ذلك الاسلوب الا نادرا؛ وجرى استبداله بأوامر إخلاء لمناطق بأكملها حيث لا يستطيع (أو لا يقوم) جميع الساكنين بالالتزام بها. تتجه قوانين الحرب نحو مفهوم التناسب عندما يتعلق الأمر بوفيات المدنيين؛ لمعرفة ما إذا كانت المكاسب العسكرية تبرر التدمير الناتج. لقد درست محكمة العدل الدولية؛ وهي أعلى محكمة في العالم؛ ما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة. ويعتبر قتل العائلات ذات الأجيال المتعددة جزءا أساسيا من القضية. ويعمل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بشكل منفصل على إصدار أوامر اعتقال بحق اثنين من القادة الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل العمد للمدنيين، إضافة إلى ثلاثة من قادة حماس بتُهم مرتبطة بهجوم 7 تشرين الأول. يرى “كريغ جونز” المُحاضِر بجامعة نيوكاسيل والذي درس دور المحامين العسكريين الإسرائيليين؛ إن إسرائيل خففت بوضوح معاييرها فيما يتعلق بالخسائر في صفوف المدنيين؛ مدفوعة بما أججه الغضب تجاه السياسة الداخلية وهجمات الحرب. ومضى قائلا أن قانون الحرب “يسمح بــنوع من أشكال الحرب المتسرعة” قد يؤدي لإرتفاع عدد الضحايا المدنيين حينما يحتاج الجيش إلى التحرُّك بسرعة وضمن ظروف متغيرة. لكن.. “إسرائيل تنتهك القانون بشكل واضح للغاية لأنها تدفع القواعد لأبعد حد ممكن”. 


نتائج القتل

 سينعكس أثر موت العديد من العائلات الفلسطينية على أجيال عديدة قادمة؛ إذ تمتد صلة القرابة في غزة إلى ما أبعد من الأسرة/ النواة. وتسكن عوائل ممتدة بكامل أفرادها عادة في مجمعات؛ هي غالبا مباني متعددة تتكون من ثلاثة طوابق أو أكثر.. حينما جرى تدمير منزل عائلة “سالم” بشمال غزة عام 2009؛ شارك يوسف وإخوته في إعادة بنائه لوالدهم وأعمامهم. تعرض المنزل للتلف مرة أخرى عام 2014؛ وهو الآن عبارة عن هيكل انشائي محترق من الداخل..

سيتذكر الفلسطينيون عائلات بأكملها إختفت من حياتهم؛ كما يقول «رامي عبده» رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومقره جنيف؛ والذي يراقب الحرب في غزة: «يبدو الأمر كما لو أن قرية أو محلة بأكملها قد جرى محوها».


(وكالة أسوشييتيد بريس)

 لموقع « PBS “ الاخباري