وجدان عبد العزيز
بحسب ما جاء في لسان العرب لابن منظور كلمة وطن بمعنى المنزل الذي يقيم فيه الإنسان، أي هناك غطاء نفسي وشغف روحي لحب المكان المحدد جغرافيا لكلمة وطن، ولهذه الكلمة علاقة بالفخر القومي وتعالق عاطفي وولاء بالانتساب لأمة محددة، ومحصورة جغرافيا، تختلف عن الأمم والمناطق الأخرى، فالوطنية مفهومٌ أخلاقيٌ، وأحد أوجه الإيثار لدفعها المواطنين إلى التضحية براحتهم
وربما بحياتهم من أجل بلادهم، ولا يهمنا في مقالنا هذا الا كيف نتحقق من الوطنية في ذات الإنسان، وضع نيكولو ماكيافيلي تقييمًا رفيعًا للوطنية في كتاب الأمير، واستبعد الحرية عن بلاد دون شعوب حاضرة لتقديم التضحيات اللازمة لأوطانها، فنحن أمام كلمة وطنية، التي لا تتحقق دون وجود تضحية، والدليل إنها منزل، وما أغلى المنزل في مفهوم وفكر الإنسان، ومن هنا أنا أحب وطني بقدر حبي لمنزلي، وهذا المعطى يشمل أبناء وطني العراق، ولم يبعدهم عن وطنيتهم ذلك الغِنى والتنوع الثقافي والعرقي والروحي، وباختلاف طبقاتهم الاجتماعية، وقد يتكشف هذا الأمر وينجلي عبر الصيرورة التاريخية لشعب العراق، حيث أصبحتْ الوطنية لدى هذا الشعب تحاكي المفاهيم الكبيرة من حرية وموت وحياة وعقائد وديانات إلى غير ذلك، إذن الالتزام بالوطنية مطلب أخلاقي، مثلما سعي الفرد لتطوير ذاته ومن وسائل تطوير الذات، هي تقوية الذات بالصبر ومطاولة الصعاب، لأن قوتك كمواطن قوة لوطنك، وأهم وسائل تقوية الذات تقوية الفكر وبناء النفس، فالأوطان لا تتقدم إلا بأصحاب الفكر السليم! لذا فان بيتك هو مشروع وطني يسعى لتخريج مواطنين صالحين، لذا فكل جهد تبذله من اجل بيتك هو استثمار وطني ذو عوائد متعددة!. إذن الوطن وحبه والإخلاص له يشكل مطلبا أخلاقياً، وهكذا تتجلى قضية الوطن على أنه منزل، أو بيت الإنسان وأخلاقيا على الإنسان أن يحافظ عليه بكل ما أوتي من قوة، وهنا نقول لكل خائن ومفسد تعسا لك، فانت فقدت مؤهلك الأخلاقي بخيانتك لوطنك، تقول الكاتبة منى العتيبي: (الوطن ليس قصة تاريخية قديمة انتهت عند تاريخ ما وقيادة ما، هو سيرة سلسلة متواصلة من القياديين منهم ما نتفق مع طريقته ومنهم مَن نختلف ونتشاور ونتحاور معه، ولا هو أشخاص وانجازات نتوقف عند حدودها نحتفل بها وننسى الجوانب الفاسدة، التي تحتاج الإصلاح، ولا هو أنت ولا أنا ولا نحن، هو بيتنا الذي سنفنى ويبقى لأولادنا وأحفادنا.. بيتنا الذي لو هُدم لن نجد لنا بيتا ولو فتح لنا العالَم بيته. نحن عابرون وهو باق، نحن الذين نشيخ وهو الطفل الذي لا يشيخ)، وهنا يتحصل لدينا أن الوطن هو ارض، لكنها ليس مجرد ارض، إنما روح تسكن فينا ونسكن فيها، حبه فطرة ألقاها الله في قلوبنا، وواجبنا اتجاهه يكون بالمحافظة على أرضه ومائه وهوائه من التلوّث وممتلكاته العامة ومؤسساته من التخريب، وأن نقف وقفة عز وشموخ لرايته العظيمة، فهذه اللحظة لحظة فخر واعتزاز ومسؤولية اتجاه ترابه الطاهر، ولكل قاعدة شواذ، فكل من خان حبه لمنزله بالنتيجة خان وطنه، وهكذا فان الحجة الاستنباطية تشكل مقدماتها أساسا حاسما لصدق النتيجة بحيث ترتبط المقدمات بالنتيجة، فيستحيل أن تصدق المقدمات ولا تصدق النتيجة.. والدليل الأكثر قدسية إن رسول الله صلى الله عليه واله لمّا هاجر من مكة إلى المدينة، قال مخاطبا مكة: ما أطيبك من بلد وما أحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك.