حمزة مصطفى
«رد فالتنا اعتازيناها” هذه كانت واحدة من عشرات الهوسات والأهازيج التي رافقت ثورة العشرين (في 30 حزيران عام 1920) والتي تأسست على إثرها أول دولة عراقية بنظام ملكي عام 1921. تنوعت الأهازيج والهوسات التي رافقت تلك الثورة، حتى وصلت إلى مرحلة قيام أحد المهاويل بتوزيع الجنة محاصصة بين الثوار والعشائر (ثلثين الجنة الهادينا وثلث لكاكا أحمد وأكراده و.. شوية شوية لبربوتي). لست أريد الدخول في تفاصيل تلك الحقبة والثورة وما يمكن أن تثيره من نقاشات وسجالات لاسيما تلك التي أخذت وما زالت حيزا واسعا من الخلاف بعد فيلم “المسألة الكبرى”، الذي أعطى دورا مركزيا في قيام الثورة للشيخ ضاري المحمود قاتل الضابط الإنكليزي لجمن. ومثل قصة الفالة التي ركزها أحد المقاتلين في الجنوب في ظهر أحد الإنكليز، حيث أطلق المهوال أهزوجته الشهيرة (رد فالتنا اعتازيناها)، لأن الجيش الإنكليزي إنهزم ومعه الفالة كما تقول الحكاية، فإن الذي رافق قيام الشيخ ضاري بقتل لجمن هي الأهزوجة التي أخذت حيزا واسعا من سرديات ثورة العشرين وهي (هز لندن ضاري وبجاها).
الآن بعد مرور نحو مائة عام على تلك الثورة يخرج علينا السفير البريطاني في العراق ستيفن هيتشن بتصريحات مثيرة يعتذر فيها عن قيام بلده بإحتلال العراق آنذاك، عادا في الوقت نفسه أن “ثورة العشرين” كانت امرا ضروريا. ففي تصريحات مثيرة نشرت مؤخرا للسفير والمؤرخ البريطاني ستيفن هيتشن يقول فيها وبكل صراحة “ لست فخورا بسجل اجدادي في العراق”. ويضيف إن “ الهيمنة على بلد اخر من الناحية الأخلاقية غير صحيح”. السفير ستيفن وحيث يعبر عن إستيائه عما فعله أجداده الذين لايفتخر بسجلهم الإمبراطوي يقول إن علاقتنا الآن مع العراق مختلفة وتقوم حسب قوله على مبدأ الشراكة. وفي مغالطة تاريخية ـ أخلاقية يقول “إننا الآن ليس لدينا نفس قيم
اسلافنا”.
وحيث أن سعادته تحدث بصفتين عن تاريخ علاقة بلده بالعراق وهما صفة المؤرخ الذي أدان الاحتلال البريطاني أوائل القرن الماضي وصفة الدبلوماسي الفوق العادة الذي “يفتر” بالأسواق والمقاهي البغدادية وفي المحافظات ويجيد اللغة العربية بل اللهجة العراقية ويعرف معظم أمثالنا وتقاليدنا ويمثل أدوارا مختلفة في آن واحد، فإنه نسي تماما أن بلاده التي تركت ماضيها الاستعماري مثلما يقول ساهمت في عام 2003 باحتلال العراق رسميا مع الولايات المتحدة الأميركية.
ربما يقول لي سعادة السفير أن إسقاط النظام السابق عام 2003 كان بطلب من المعارضة العراقية، فإنني أذكره (وخل يعتبرني مؤرخ زغير على كد حالي) أن بلاده وأميركا وبعد احتلالهما العراق رسميا دون غطاء دولي في شهر نيسان عام 2003 ذهبا بعد أقل من شهر إلى مجلس الأمن طالبين غطاء دوليا بوصفهما قوة احتلال، وقد حصلا فعلا على القرار 1483. عزيزي ستيفن.. “خلينا ع الفالة” أحسن.