في طريق الأربعين إلى سيد الثائرين

فلكلور 2024/08/20
...

 محمد شريف أبو ميسم 

في الطريق الواصل بين الثائرين وطلب الإصلاح ، حسين واحد ، وسيد واحد ، له مِزية التصدّي وقبول التحدي لكل ما له صلة بالفساد والمفسدين ومواجهة الموت في وقت واحد ، وله مزية الأصل والحسب والنسب التي لا يدنو إليهما دان ، وله مِزية الفصل التي دعت السيوف لجسده الطاهر ، وله ما ليس للآخرين من إيثار وشجاعة وإباء وتمسُّك بالقيم النبيلة والمبادئ الأخلاقية التي جاءت بها كتب السماء.


من أجل ذلك، فإن مقتل الحسين وأصحابه ، وتعليق رؤوسهم على الرماح من الكوفة إلى الشام ثم العودة بهم بعد أربعين يوماً بصحبة عيالهم ونسائهم سيراً على الأقدام على مسافة 2100 كيلو متر ، لهو حدث لا يمكن إلا أن يكون مفصلاً تاريخياً ، تسقط أمامه كل المناسبات والذكريات وتواريخ الانتفاضات والثورات. 

فما بالك إن وقعت الفاجعة على أرض عرفت بالوفرة وسعة في الرزق وزيادة في الخير، وعرف سكانها بالسخاء والجود والكرم ، وإذا بهم يجدون ابن بنت نبيهم مذبوحاً على غفلة منهم ومن التاريخ . ومن كنف الأحداث التي عرفت بها بلاد الرافدين، والتي ما لبثت أن كانت محتدمة عبر تعاقب القرون والعقود، حتى وجع النفوس التي أثخنتها سني الطغيان والفساد في زمن الإنترنت، فما كان هذا المصاب الجلل إلا أن يكون في أعلى هرم الرمزية جديراً بولادة حسين في كل يوم أملاً بحلم المدينة الفاضلة التي تتماهى في اللاوعي حباً شديداً وافراً حدَّ الموت على المبادئ التي ذبح من أجلها ابن بنت رسول الله.

أجيال تلي أجيال تعيش العشق الحسيني بكل خصاله التي تنزع الغرور عن الذات الإنسانية المجبولة على التكبّر، فلا التفوق ولا المال ولا المكانة الاجتماعية، ولا حتى رغبة الانتصار على الذات تحولان دون البكاء على هذا المصاب الجلل، الذي هتك براءة هذه الأرض وأدان التاريخ متجسداً بهذه الذكرى التي تزحف الملايين سنوياً نحو إحيائها على مدار أيام العشرة الأولى من محرم ، ثم يتوَّج الحزن في إحياء زيارة الأربعين التي عاد فيها أهل البيت إلى كربلاء يوم العشرين من شهر صفر .

إذ تحزن هذه الأرض ومن عليها ليكون إحياء ذكرى الحسين وأهل بيته وأصحابه صورة تحاول أن ترتقي لصورة زينب وعلي بن الحسين السجاد عليهم السلام وبرفقتهم الأطفال وهم يلتقون عند قبر الحسين بالصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري إذ صادف وصوله من المدينة المنورة إلى كربلاء في ذلك اليوم وهو يوم وصول ركب حرم الحسين (نسائه وأيتامه) إذ نصبوا مناحة عظيمة تحاول أن ترتقي لها الملايين من الزائرين عبر الوصول إلى مرقد الحسين مشياً على الأقدام متحدين أشعة الشمس اللاهبة إحياء لهذه الذكرى الأليمة، التي أصبحت سنة للأحرار ولمن يشتركون في عشق الحسين.