صناعتنا الوطنيَّة.. بداية النهوض

آراء 2024/08/21
...

 د. خالد حميد

عانى العراق طيلة العقود الماضية من تدهور كبير في قطاع الصناعة، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة بعد 2003 النهوض بهذا القطاع الحيوي، الذي من شأنه توفير فرص عمل كثيرة فضلا عما يدره من أموال يمكن أن تقلل من الاعتماد على إيرادات النفط، وتحول العراق من بلد ريعي إلى بلد منتج.

لا شك أن لحظة 2003 تُعد نقطة تحول مفصلية في تاريخ العراق على جميع المستويات، وفي ما يتعلق بالشأن الصناعي، فإن العراق صار سوقاً مفتوحاً لكل البضائع الأجنبية، ولم يستطع المنتوج العراقي -على قلته- أن ينافس نظيره المستورد، ما أدى إلى ضياعه. وإزاء هذا الوضع المتدهور لم نجد معالجة حقيقية سوى بعض الخطوات الخجولة التي لم تكن بمستوى حجم المشكلة. وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن البرلمان العراقي قد أصدر قانون حماية المنتجات العراقية في سنة 2010، الذي كان يهدف إلى توفير بيئة قانونية مناسبة للنهوض بالقطاع الصناعي، لكننا لم نجد تحركاً حقيقياً وملموساً لمعالجة هذه الأزمة، وبقيت الأسواق العراقية تعاني مما يعرف بسياسة الإغراق، كما بقيت الحكومات غارقة في المشاكل الأمنية والصراعات السياسية. غير أن ما يلفت النظر ويبعث على التفاؤل هو الخطوات التي قامت بها الحكومة الحالية التي جعلت النهوض بالقطاع الصناعي جزءاً من برنامجها، أولى هذه الخطوات السعي لإنشاء مدن صناعية في مختلف المحافظات، والتي سيبلغ عددها بعد اكتمالها 12 مدينة، بعضها وصل إلى مراحل متقدمة في نسبة الإنجاز. وفي الأسبوع الماضي أُعلن رسمياً عن تدشين المرحلة الأولى في مدينة كربلاء الصناعية من قبل رئيس الوزراء السيد السوداني. إن المدن الصناعية النظامية من شأنها توفير بيئة مناسبة لجلب الاستثمارات وتنمية القطاع الخاص في البلد. والخطوة الثانية تتمثل في تقديم الحكومة للضمانات السيادية التي أقرها البرلمان ضمن قانون الموازنة الاتحادية. إن هذه الخطوة تُعدُّ تحولاً جوهرياً في طريقة النظر إلى القطاع الخاص، وأداة فاعلة لجذبه وتشجيعه.  ومن الخطوات المهمة التي اتخذت في هذا الإطار إعادة تأسيس المجلس التنسيقي الصناعي، وهو الكيان الإداري المعني بتنمية الصناعة واتخاذ القرارات التي من شأنها الارتقاء بالواقع الصناعي، وكذلك هو المسؤول عن معالجة المعوقات التي تواجه الصناعة العراقية.
إن هذه المشاريع إذا ما اكتملت ستغير الواقع الصناعي في العراق، وستوفر مورداً مالياً مهماً يقلل الاعتماد على واردات النفط، ويحول البلد من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الفاعل والمنتج، وحينها ستتوفر الآلاف من فرص العمل للشباب العاطلين في جميع محافظاتنا، وهذا ما سيسهم في تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي وترسيخ السلم الأهلي.