الهشاشة الاقتصاديَّة.. والمزاجية الأميركيَّة

آراء 2024/08/21
...

 د.حامد رحيم

 تشكل الواقع الجديد في العراق بتأثير مباشر وغير مباشر من قبل السياسات الأميركيَّة، قراءات الإدارة الأميركيَّة للمتغيرات في العراق كانت هي العوامل، التي شكلت الأسس لهذا البناء الذي نعيشه اليوم، وبالإشارة إلى العوامل السياسية والاجتماعية، وما ترتب عليها من أزمات عصفت بالعراق وأوصلتنا في بعض الأحيان إلى حافة الهاوية، وحولت العراق مع شديد الأسف إلى (مناطق نفوذ لدول الإقليم)
 أكثر من كونه دولة قوية متماسكة، وهذا ما يظهره موقع العراق في تصنيفات الدول الهشة (Fragile States ( للسنوات التي تلت عام التغيير السياسي، وما نلمسه عبر مسيرة الأحداث لكل السنوات الماضية، وبطبيعة الحالة فالمتغيرات الرخوة الأكثر تأثرا بتلك العوامل هي المتغيرات الاقتصاديَّة، فضاعت فرص اقتصادية كبيرة كان من الممكن أن تدفع الواقع نحو التنمية الاقتصاديَّة، التي لم يعرف لها الشعب العراقي طريقا منذ تأسيس الدول الحديثة في العراق إلى الآن، الفساد وسوء الإدارة كانا خلف هدر أكثر من (واحد ونصف ترليون دولار) جاءت إيرادات من بيع النفط الخام دون جدوى اقتصادية، تغير نظرة المجتمع الدولي ورغبة دول وشركات عالمية للدخول إلى السوق العراقية، مع إمكانية جذب التكنولوجيا والمعرفة نتيجة لعودة العراق إلى الانفتاح والخروج من عزلته، وغيرها من العوامل التي أهدرت وما زال الواقع راسخ بالتخلف، بل وتظهر الأزمات فيه كأنها مزمنة لا تريد أن تفارق حياة العراقيين من أزمة الطاقة الكهربائية والسكن صعودا.
إن عوامل الهشاشة في الدولة العراقية وبالتزامن مع المزاجية الأميركيَّة جعلت بوصلة العراق الاقتصاديَّة، لا تعرف الاستقرار بالمعنى الاقتصادي، السياسات الاقتصاديَّة بلا أهداف تنموية، وبرامج اقتصادية تقف عند منتصف الطريق، والنتيجة موارد تهدر وتبدد وفرص تضيع وشعب يعاني من ظروف حياة لا تطاق.
منذ عام 2021 شهدت العلاقة التفاوضية بين السلطة الاقتصاديَّة في العراق والخزانة الأميركيَّة منحى جديدا، تمثل بفرض الأمريكان إجراءات جديدة بخصوص بيع الدولار عبر النافذة، لغرض الحد من ظاهرة تهريب الدولار وغسيل الأموال والتجارة مع الدول المعاقبة، وأخذت هذه المرحلة إلى يومنا هذا عدة صور متغيرة نتيجة للضغط الأمريكي والفشل الحاصل لدى السلطة الاقتصاديَّة، متمثلة بالبنك المركزي والحكومة في إيجاد حلول جذرية لمسايرة الرغبة الأميركيَّة، فكانت الصورة أشبه ما تكون بتكيف المؤسسات العراقية المتعاملة بالدولار مع الضغوط الأميركيَّة لتأخذ مسارات جديدة تمكنها من الوصول إلى الدولار وتحقيق مبتغاها، وهكذا تغير الخزانة الأميركيَّة من إجراءاتها لتملي على الجانب العراقي، فتستجيب الجماعات والمؤسسات وتتخذ إجراءات جديدة لتبقى على تماس مع التعامل بالدولار، والسلطات الاقتصاديَّة في العراق هي الحلقة الأضعف، فلا تتمكن من فرض أجنداتها على الأمريكان ولا على الفاعلين في الداخل، وهذه تجليات الهشاشة المشار إليها آنفا، وكانت النتيجة لكل ذلك تحول السوق الموازي للدولار إلى سوق (أسود)، وظهور ما يسمى بالتهريب النقدي للدولار عبر الحدود، كما تشير التقارير، واستغلال ما يعرف (بدولار المسافرين) وهذا ما أشار له التقرير الأخير لديوان الرقابة المالية العراقي، الذي أكد وجود تعاملات لعمليات سفر وهمية بما مقداره (600) مليون دولار، وهذا الفساد لا يأتي من عمليات هامشية، بل يدل على وجود هيمنة وسيطرة للقوى التي تمارس الفساد في العراق.
لم تكن هذه الأوضاع حالة عابرة ولا وليدة أحداث هامشية طارئة، بل نتيجة لسياسات متراكمة عبر كل تلك السنوات بعد عام التغيير السياسي، هذه الأوضاع التي يمكن أن تلخص بسلطة لا تستطيع فرض أجنداتها على الواقع، رغم صلاحياتها الدستورية، وقوى فساد تهمين بشكل كبير على الواقع.
 إن الإدارة الأميركيَّة وفي تعاملها مع الواقع العراقي منذ الاحتلال إلى اليوم، هي السبب في ذلك، أن تتنبه الخزانة الأميركيَّة لتهريب الدولار وغسيل الأموال وتسرب الدولار لدول معاقبة بعد تسعة عشر عاما لتفرض أجنداتها وتضغط على حكومة هي الحلق الأضعف في المعادلة للحد من هذه الممارسات، انه تعامل بمزاجية لا يفهم بانه منظور إداري ستراتيجي يستند إلى العقلانية.