«التابعون».. بين نقض الغرب واستدارة العرب

آراء 2024/08/21
...

  عبد الزهرة محمد الهنداوي

منذ أن فتحنا عيوننا في هذه الحياة، وفقهنا بعضا من معانيها، ونحن نسمع بالقضية الفلسطينية، قرأنا عن وعد بلفور عام 1917، الذي أعلن دعم بريطانيا لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وقرأنا أن اليهود كانوا قد شرعوا في غزو ناعم للأراضي الفلسطينية، من خلال قيامهم بشراء الأراضي بأسعار مغرية، وقرأنا عن مساهمة الدول العربية في توفير الظروف المناسبة لإقامة الكيان الصهيوني، بعد عام 1948، من خلال القيام بحملة تهجير وتسفير واسعة للمواطنين اليهود، الذين كانوا يعيشون في تلك الدولة، فهُجروا وهم للتهجير كارهون، ومنذ ظهور هذا الكيان في الأراضي الفلسطينية، وهو يحظى بالدعم والمباركة الأوروبية، أما الولايات المتحدة فكانت بمثابة الأب الشرعي لـ(اسرائيل)، وكانت هي والاتحاد السوفيتي أول دولتين اعترفتا بالكيان الصهيوني بعد دقائق من اعلان بن غوريون قيام الدولة الصهيونية في ايار 1948 بعد انسحاب بريطانيا. وللإنصاف فقد خاض العرب عدة حروب ضد اسرائيل، ولكن أغلبها كانت الغلبة فيها للعدو، ونكسة حزيران عام 1967، كانت الأقسى على العرب، وفيها أدرك الإسرائليون أنهم قادرون على توجيه المزيد من الضربات الموجعة للعرب عموما وللفلسطينيين على وجه الخصوص، وهذا شجعهم على ارتكاب مئات المجازر في مختلف الاراضي الفلسطينية بدم بارد، راح ضحيتها مئات الآلاف من النساء والاطفال والشيوخ، من بينها مجزرة قلقيليا وكفر قاسم وخان يونس، وغيرها الكثير التي لم تتوقف مطلقا، تحدث تلك المجازر، فيما بدأ العرب يستديرون إلى الخلف، تاركين الفلسطينيين يواجهون مصيرهم لوحدهم، واقوى ما كان يفعله العرب إزاء ما يرتكبه الصهاينة من مذابح، هو إصدار بيانات استنكار وإدانة وقلق، ويدعون الطرفين إلى ضبط النفوس، لان المنطقة تمر بظروف دقيقة!. ولعل القسوة المفرطة لبني صهيون، والصمت المفرط أيضا لبني العرب، هي التي جعلت الفلسطينيين يتيقنون تماما أنهم يقفون مكشوفي الظهور أمام الإبادة الجماعية بحقهم، فجاءت حرب الإبادة الأخيرة في غزة، لتثبت للعالم أجمع أن الفلسطينيين وحدهم بلا نصير، فلا الغرب الذي صدّع رؤوسنا بكذبة كبيرة اسمها حقوق الإنسان، رفَ جفنه لما يتعرض له الغزّيون من مذابح غير مسبوقة، وآخرها مذبحة مدرسة التابعين في حي البرج بغزة، التي قضى فيها أكثر من 100 شهيد، وهذا الغرب الكاذب لا يكتفي بالتفرج على المذابح الجماعية بحق الفلسطينيين، بل هو يؤكد دعمه لعصابات الصهاينة، ويقف بوجه أي محاولة لاستصدار قرار إدانة لهذه العصابات، فهناك ما يعرف بالفيتو، الذي يستخدمه الأعضاء الخمسة الدائميون في مجلس الأمن، حاضر دائما لنقض ومنع أي مشروع قرار من المرور بدون الخوض في الاسباب، ولا العرب في الجانب الآخر لهم موقف يمكن أن يجعل العدو يتردد ولو للحظة، ويفكر بعواقب الأمور قبل إقدامه على جريمة من جرائمه التي لا تتوقف، وإلّا لو كان النتنياهو يدرك أو يعلم، إن جريمته لن تمر من دون عقاب، لما فكّر في مثل ما يقوم به، ولتوقفت حرب غزة منذ مدة، فالصحيح أنه وكما أغارت طائرات الصهاينة على مدرسة التابعين لتفجع الإنسانية بمجزرة جديدة مع طلوع الفجر، كان يجب أن تنطلق الطائرات من العواصم العربية المحيطة بتل ابيب، لتضرب أهدافا منتقاة هناك، وكل ذلك يتناسب تماما مع شعار العرب الذي سمعناه منذ أن كنا صغارا وهو أن فلسطين هي قضيتهم المركزية!، ولكن يبدو أن الكثير من القضايا برزت على السطح لتدفع بقضية فلسطين إلى آخر اهتمامات العرب، إذ أصبحت لكل دولة عربية قضيتها المركزية، وهي ليست فلسطين بكل
تأكيد.