د. أثير ناظم الجاسور
1 - إن العرب وبقدرة قادر باتوا يداً واحدة واصبحت كل قضاياهم الشغل الشاغل لحكوماتهم،وبوصلة تحركاتهم تتجه صوب كل ما له علاقة بالمصلحة العربية والهدف الداعي للوحدة، سواء للدين أو القومية مع احترام كل معتقد وقيمه اجتماعية مختلفة في داخل هذه الرقعة الجغرافية، من ثم صار كل اعتداء على اي دولة عربية هو اعتداء على كل الدولة ضمن تفعيل نص الدفاع والتعاون العربي المشترك، نابع من قناعة وإيمان عربي كقرار صادر عن الجامعة العربية، وتبدأ بالقضية المركزية لهذه الأمة (فلسطين)، من خلال ليس المطالبة والتنديد والناشدة، إنما التحرك سياسيا واقتصاديا وعسكريا في سبيل تحقيق الحلم المنشود باسترجاع الأراضي المغتصبة، فهذا العدد من الدول والجيوش والميزانيات قادر على قلب الموازيين الإقليمية والدولية وإثبات
الوجود.
2 - إن الولايات المتحدة وبقدرة قادر أيضا وبفعل أوضاعها الداخلية والتحديات الخارجية، وفقدان السيطرة على بعض التفاصيل الدولية المهمة، وبغية الحفاظ على قوتها ومركزها رجحت أن الوقوف مع العرب، هو الحل الأسلم والأكثر نجاة، بعد أن وجدت الجدية العالية الظاهرة في الموقف العربي، الذي بات يُهدد اقتصادياتها وشركاتها، وأصبح واحدا من التحديات الاقتصادية الكبيرة، التي من الممكن أن تهز الإمبراطورية الاقتصادية الأمريكية، ابتداءً من تدفقات النفط، مرورا بالشركات والأسواق، انتهاء بتغيير عملة التداول، بدلا من الدولار، سياسيا تخشى خسارة حلفائها العرب وتمركز قواعدها العسكرية، والخوف من عقد تحالفات جديدة عربية - روسية، وعربية - صينية والسير ضمن فكرة تغيير الحليف، بهذا ستفقد نقطة مهمة من العالم هذا، فضلاً عن محاصرتها من كل الاتجاهات،
ما يجعل صناع قرارها يُعيدون النظر في قضية الدعم والتحالف وبناء استراتيجيات مغايرة وفق مستويات أكثر حذرا.
3 - ماذا تبقى للكيان الصهيوني أولا فقد الدعم وأي دعم، فقد الغطاء السياسي والاقتصادي والعسكري، ما جعل كل مخرجاته غير ذي جدوى ولا وسيلة له، أما التفاوض أو الاستمرار، والأخير معناها الخسارة لأن الجبهة العربية بقوتها وصلابتها، لا يمكن أن تسمح هذه المرة من أن يُعيد الكيان ترتيب أوراقه من جديد، بالمقابل أمريكا عاجزة عن إيجاد حلول لإخراجه من مأزقه هذا، خصوصا أن خيارات أو حسابات النجاح هذه المرة غير متوفرة على الإطلاق، بالتالي ستقدم الولايات المتحدة مقترحها الداعي لتحويل هذه الدولة لأراضيها ومنحها ولاية من الولايات، لتنشأ عليها دولة إسرائيل، وبهذا تحافظ على ماء وجهها كقوة عظمى، وتأمن سلامة كيانها من الانهيار والزوال، وتُعطي صورا واضحة عن التغير في التفكير، من جانب الكيان الصهيوني هو الخيار الاسلم الموافقة على الرحيل للقارة الشمالية الأمريكية، واعلان دولة إسرائيل خشية الزوال هذه المرة.
نعم ضرب من الخيال لا بل هو الخيال نفسه، لأن الواقع ومؤشراته وتداعياته ومعطياته يُشير إلى حقيقة واحدة لا غير هي إن العرب منشغلون بين حكومات تحاول الاستمرار والبقاء مهما كلف الأمر، قضية تخسرها الأمة أو قضايا مجتمعة، فهي بالنتيجة جسرا للاستمرار، حتى وإن كان الثمن شعوبًا تحترق وتنهار من شدة الجوع والنزوح وترك الديار، وبين شعوب قسمتها المنابر السياسية والدينية، فباتت تتبع كل من يحاول الكذب عليها أو بالأحرى تخديرها، اما بالقادم أفضل أو من خلال فقراء في الدنيا أغنياء في الآخرة، ناهيك عن تحديات وصعاب تعطي مؤشرات لانهيارات قريبة ومؤجلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحتى ثقافيا، إنه الخيال الواسع الذي صور لنا دولا متحدة عابرة للدين والمذهب والقومية وشعوبا متراصة لا يزعزعها هذا الفكر الديني أو السياسي، ورقعة جغرافية خالية من الحدود والتعقيدات والروتين، الذي قتل وما زال يقتل كل جهد، هو الخيال الذي صور لنا إننا أمة حية تبني حاضرها وترسم المستقبل لأجيال مقبلة، لكن ما هو حقيقي وواقعي لا بيت عربيا ولا صوت حقٍ ينطق من هذا البيت، ولا حتى سياسة تمنع ما يحدث، وعليه سنكتفي بقراءة التاريخ والتمجيد والتغني بأبطاله، ونلعن أيامنا هذه، التي أثقلت حاضرنا بالذل، ونترحم على شعب يسكن تحت الأنقاض.