الموكب المعنوي

ريبورتاج 2024/08/22
...

 إبراهيم هلال العبودي

 

مسيرة العشق الحسيني الذي يتجه صوب كربلاء كل عام في أربعينية سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) أثبت أنَّ واقعة كربلاء باقية ولا تزال ثورة على الطغاة.

وبين طول الطريق ومشقته، وقبل أنْ تقرَّ العيون بما تهوى، نرى مواكب العاشقين التي نذرت نفسها لخدمة الحسين (ع) هنا لفت نظري موكب صغير يتوسطه شبابٌ يعملون كخلية النحل فمنهم من يحمل حقائب الزائرين ومنهم من يقدم الطعام، وبين هذا وذاك من يدلك قدمي زائر ويبلسم وجعه ويدخله ليستريح تخفيفاً عمَّا تكبد من طول المسير، موكب مختلف كثيراً عن باقي المواكب التي تقدم للزائرين طعاماً وشراباً، بل كان هذا الموكب يقدم زاداً معنوياً من خلال نشر الوعي الفكري لدى الزائرين من خلال أساتذة مختصين توزعوا على شكل حلقاتٍ تتوسطهم منضدة كبيرة وكراسي متوزعة بانتظام يزودون الزائرين بالأسئلة الفكرية لا سيما الشباب ويقومون بتوزيع هدايا رمزية للإجابات

الصحيحة.

وفي الجهة الثانية حيث لافتة متوسطة الحجم تحمل عنواناً (تصحيح سورة الفاتحة) ترى شاباً في مقتبل العمر له مشاركاتٌ عدة في المسابقات الدولية والعامة يقرأ بصوتٍ يخشع له القلب هو من يقوم بالتصحيح للزائرين من خلال القراءة المشكوك بها، وبجانب هذا هناك معرض للكتاب وبيع الكتب الثقافية والدينية، وفي الاتجاه ذاته لافتة صغيرة حملت اسم (المرسم الهادف) لفت نظري كمٌ هائلٌ من الأطفال دون سن العاشرة وهم يقومون بتسلم أوراقٍ بيضاءٍ عليها بعض الرسوم، إذ يقوم الصغار بتلوين تلك الأوراق بما شاء لهم من خلال علب الألوان المتوزعة على المناضد، وقد تعدُّ هذه إحدى وسائل الراحة للأسر التي تصطحب معها أطفالها، حيث وجدت الابتسامات تعلو وجوه الأهالي وهم يشجعون أطفالهم على الألوان والصور التي تعطي رونقاً جديداً لخدمة الزائرين.

وبالمقابل تجد الباقين من هذا الموكب المعنوي رخصوا أرواحهم في سبيل من يستحق التضحية والشهادة ليبعثوا رسالة للعالم بأسره ويتمثلوا بأنبل المبادئ والقيم والسلوك والأخلاق الحسينيَّة. الكل يعمل بابتسامة راضية وقلبٍ محبٍ ولسانٍ لهجٍ بـ «أحنه خدام زوار أبو علي» وكأنما على رؤوسهم تيجان الملك، يجندون أنفسهم وأسرهم وأموالهم، هِبةً للخدمة الحسينيَّة، في مواكب منتشرة على طول طريق المسير.

ماذا فعلت سيدي حتى تربعت على قلوب هذه الملايين فهامت في عشقك جنوناً؟