ملحمة الشجاعة والخلود في كربلاء

ريبورتاج 2024/08/22
...

 أوس ستار الغانمي

في صحراء كربلاء، حيث تلتقي السماء بالأرض في ملحمة من التضحية والشرف، كتب الإمام عون بن عبد الله بن جعفر بدمه الطاهر فصلا جديدا في تاريخ الإسلام، فصلا يروى على مرّ العصور عن الفداء، والشجاعة، والولاء للحق. إن استشهاده لم يكن مجرد حدثٍ تاريخيٍ، بل كان درسا عميقا يحمل في طياته الكثير من العبر والدروس التي تلهم الإنسانيَّة جمعاء. 

سليل المجد والكرم

وُلد الإمام عون بن عبد الله بن جعفر في بيتٍ من بيوتات المجد والشرف. فهو ابن عبد الله بن جعفر الطيار، الذي عرف في التاريخ الإسلامي بسخائه وكرمه، وأمه هي السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، المعروفة بصبرها وصمودها. نشأ عون في ظل هذه القيم النبيلة، حيث تعلم من والده معاني الكرم والتضحية، ومن والدته معاني الشجاعة والإيمان العميق.

ترعرع عون بين أبطال الإسلام، وكان محاطًا برموز النبل والإيمان، ما جعله يتشرب هذه القيم منذ نعومة أظفاره. كانت كربلاء بالنسبة لعون محطة لا مفرَّ منها، إذ لم يكن بإمكانه أنْ يقفَ مكتوفَ اليدين أمام الظلم الذي كان يحيط بأسرته وأمته.


بين الفداء والشهادة

عندما عزم الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) الخروج لمواجهة ظلم يزيد بن معاوية، كان الإمام عون بن عبد الله في ريعان شبابه، لكنه كان مدركًا تمامًا لما يجري حوله. كان يعرف أنَّ هذه الرحلة لن تكون عاديَّة، وأنها قد تكون الأخيرة، لكنه لم يتراجع أو يتردد. التحق بركب الإمام الحسين، مؤمنًا أنَّ الدفاع عن الحق يستحق كل

تضحيَّة.

في يوم عاشوراء، يوم المواجهة الكبرى، كان عون بين الذين تصدوا لجحافل جيش يزيد. لقد قاتل بشجاعة منقطعة النظير، وهو يعلم أنَّ المعركة غير متكافئة، وأنَّ النصرَ المادي ليس مضمونًا. لكنْ بالنسبة لعون، لم يكن النصر هو الهدف بحد ذاته، بل كان هدفه الأكبر هو الوقوف مع الحق، حتى لو كان الثمن حياته.


عبور إلى الخلود

وعندما حان وقت التضحية الكبرى، وقف عون بن عبد الله بن جعفر في وسط ساحة المعركة، محاطًا بالعدو من كل جانب، لكنه لم يضعف أو يتراجع. بل على العكس، قاتل بشجاعة تليق بنسبه وأصوله. قاتل حتى سقط شهيدًا، مخضبًا بدمائه الطاهرة، مسطرًا بذلك قصة خالدة من الإيمان والثبات على المبدأ.

استشهاد عون في كربلاء لم يكن نهاية، بل كان بداية لحياة جديدة في ذاكرة الأمة. لقد اختار الموت بكرامة على أنْ يعيشَ تحت ظلم الطغاة. إنَّ استشهاده هو درسٌ لكل الأجيال عن معنى الشهادة في سبيل الله، ومعنى أنْ تكون الحياة ذات قيمة عندما تُبذل في سبيل الحق والعدل.


الدروس والعبر المستفادة

يحمل استشهاد الإمام عون بن عبد الله بن جعفر (عليه السلام) العديد من الدروس والعبر التي تتجاوز حدود الزمان والمكان. أول هذه الدروس هو الشجاعة في مواجهة الظلم، حتى عندما تكون النتيجة غير مضمونة. لقد علّمنا عون أنَّ الوقوف إلى جانب الحق هو واجبٌ لا يقبل التراجع أو المساومة، وأنَّ قيمة الإنسان الحقيقيَّة تظهر في مواقفه، لا في ما يمتلكه من قوة أو سلطة.

درسٌ آخر نتعلمه من عون هو أهميَّة الإيمان العميق. كان عون يدرك تمامًا ما ينتظره في كربلاء، لكنه اختار المضي قدمًا بدافعٍ من إيمانه الراسخ بالله وبالعدالة. إنَّ هذا الإيمان هو الذي جعله قادرًا على مواجهة الموت بشجاعة، وهو الدرس الذي يجب أنْ نتعلمه في مواجهة تحديات الحياة.

في الختام، فإنَّ استشهاد الإمام عون بن عبد الله بن جعفر يظل رمزًا خالدًا للشجاعة والإيمان والتضحيَّة. إنه درس يتكرر في كل زمن، يُذكرنا دائمًا بأنَّ الحق يستحق كل تضحية، وأن الوقوف في وجه الظلم والطغيان هو واجب كل إنسان يؤمن بالقيم الإنسانيَّة النبيلة.

إنَّ قصة عون ليست مجرد ذكرى تاريخيَّة، بل هي نبراسٌ ينيرٌ طريقَ كلّ من يسعى لتحقيق العدالة والكرامة في هذا العالم.