ملحمة الوفاء بعدسة {كاميرا}

منصة 2024/08/26
...

 إحسان العسكري

لم يكن العراق بلداً كغيره من البلدان يوماً، ولم يكن سائراً على خطى بلد آخر، فهو الأول في العطاء والتنوع والكرم وليس الأخير في الحب، ولم يك إبراهيم "عليه السلام" نازحاً من بلاد أخرى ولا الأنبياء من صلبه أو ذريته التي لما تنتهي بآخر مولود من ذرية علي بن أبي طالب "ع" رأى النور في اللحظة.

 فكان الأنبياء والأولياء يتوارثون الشمم والإباء والرسالات جيلاً بعد جيل عبر هواء هذه الأرض التي ومنذ أن عرف الإنسان معنى الوطن ما ابتعد عنها أحد إلا وعاد إليها مشتاقاً متلهفاً لإكمال ما تبقى له فيها، واتخاذ ترابها ملاذه الأخير.
فبعد الامام علي ودولته العظيمة جاءها الحسين وعظمته الفريدة، فقدم نفسه قرباناً لاحيائها و فدا ترابها بدمه الزكي وأهل بيته.هذه الثورة العظيمة الخالدة التي ما انفكت تلامس عنفوان الأحرار وتلك الـ "لا" التي أطلقها مازالت حاضرة في ضمير الحياة كنبض ما إن توقف انتهت، فمنذ سومر إبراهيم إلى كربلاء الحسين مازالت الأجيال تتناقل أخبار الثورات
وتنقل لنا أحداث الوفاء بالعهد والثبات على النهج الإنساني النبيل،  فحيثما وثّق
التأريخ تحدياً عظيماً كان العراق عنوانه بلا منازع.
واليوم يوثق العراقيون مسيرة وفائهم للحسين وثورته عبر طريق مسافته أكثر من ستمئة كيلومتر فرش بأعظم المعاني العراقية الحصرية التي لا ينافس هذا الشعب فيها أحد.   فكانوا وكانت المسيرة ومازالوا ولن تنتهي. ولما يزل الفن والأدب حاضرين في هذه الثورة الشعبيّة العراقيّة بامتياز، وهذه المرة كانت عدسات "الكاميرات" شريكة الفن التّشكيليّ في توثيق تلك الخطى العاشقة ونقل الصورة الأنقى والأجمل للمسيرة الحسينيّة في الأربعينية.
وكعادته لم يترك الفنان الشاب أسعد نيازي شغفه في التقاط لوحات من الوفاء الشعبي للحسين وثورته، فبعد كل صدى لصوت الحسين يشنف أسماع العاشقين حين صاح ألا من ناصرٍ ينصرنا ويلبي شعبنا، هذا النداء تحضر الصورة في هذا  المشهد المهيب لتنقل لنا كيفية الاستجابة الحقيقية لذلك النداء الخالد.
عكف نيازي على متابعة أحداث هذه المسيرة فالتقط أبهى وأجمل ما يمكن لعدسة "الكاميرات" أن تلتقطه، فتارة يكون الصباح متبعاً لخطى الزائرين وأخرى تغازل شمس الظهيرة ظلالهم ولا تنتهي تلك الالتقاطات في المساء، فهو يتنقل بين طيات التصوير تنقل الزائر من محافظة إلى أخرى معتمداً الإيجابية والجمالية ومتجاهلاً المكانية وعابراً على الزمن بوميض عدسته وذوقه الفريد وحرفيته العالية في اختيار اللقطة، لذا كان الفوز غالباً حليفه في مسابقات التصوير التي تخص هذه المناسبة و خاصة حينما يحصد المراكز المتقدمة مسابقة أقدام العاشقين. التي ينظمها تجمع لفناني العراق المبدعين.  
اسعد نيازي يحسن اختيار اللحظة ولا يترك زاويةً إلا وأوجد مكانها في الصورة رغم كون التصوير الفوتوغرافي يعتمد الآلة في التصوير إلا أنه مثل الصحافة لا يمكن أن يوصل رسالته بلا إبداع وموهبة خاصة، وفهم جلي لماهيته وهدفه وإيمان حقيقي بسمو رسالته، هو يتبع الكيان كاملاً ولا يلخص إبداعها في جزئيات محددة فله نظرة الأفق المطلق ويعمل بمنطق الصورة المفتوحة والزاوية الأوسع.
لذا نجد كل أعماله تمثل لمسة الهوية
الفنية المعتمدة على الكاميرا والإخراج الرقمي، الآلاف يصورون ويوثقون اللحظات، ولكن ثمة من يحسن ذلك ويبدع فيه
فيتميز.
وبهذا تميز السومري أسعد فتجاوز منطقية الحدث و يحاول بث الايجابية بطريقة وأخرى عبر التقاط صور تسر القلوب في مناسبة حزينة.
وهكذا يقاس الإبداع الفني، فهو القادر على ايصال شيء محدد بشيء مختلف تماماً عن أصله، حيث اجتهد الشاب فأبدع وصوّر فأثرى ووثق فنجح.