د. حسين محمد الفيحان
إن الإعلام الرقمي أو العملية التقنية مرت بمراحل كانت بداياتها تحول الوسائل التقليدية من صحف وقنوات وإذاعات إلى وسائل تقنية (رقمية) بنفس وظائفها، أي إن الصحف الورقية تحولت إلى صحف رقمية، والقنوات التلفزيونية تحولت إلى منصات في اليوتيوب، والإذاعات تحولت إلى منصات بودكاست وهكذا، الأمر الذي جعل العملية الإعلامية تتغير حتى بطرقها، لتصبح الوسيلة الرقمية الواحدة بطرق “تجميعية”، بمعنى لو نُشرت تغريدة على منصة تويتر، فإن المتلقي العادي، لن يطلع على التغريدة لوحدها، بل أنه سيأخذ المعلومة من التغريدة مع إطلاعه على الردود الخاصة بها، ليصل إلى حصيلة تجميعية من المعلومات حول التغريدة نفسها مكوناً صورة ذهنية متكاملة عن الحدث، وبالتالي فإن الإعلام الرقمي في تحول مستمر يوماً بعد آخر، بناءً على سلوك الناس و التقنيات المستخدمة فيه.
وهنا يمكن وصف العلاقة بين الإعلام الرقمي والتقليدي، أنها علاقة تكاملية “تزواجية” وليست علاقة تنافسية، بدليل أنه أصبح اليوم لزاماً على منصات الاعلام التقليدي أن تتكامل من خلال الإعلام الرقمي، عبر فتح نوافذ وحسابات تفاعلية لها في منصات الإعلام الرقمي، وبالتالي أصبح الإعلام الرقمي طوق النجاة الذي حمى وسائل الإعلام التقليدية، بعكس ما قيل سابقا أن وسائل الإعلام الرقمية ستسحب البساط من وسائل الإعلام التقليدية، ولربما لم تصل أشهر الصحف الورقية في العراق إلى أن توزع (100) ألف نسخة في اليوم، لكن حالياً يمكن أن تصل تغريدة واحدة أو تقرير مصور تنشره وسائل الإعلام التقليدية بحساباتها في (السوشيال ميديا) إلى أكثر من مليون مستخدم أو قارئ، وبالتالي فرص الوصول والحضور والانتشار أصبحت أكبر مما كانت عليه في السابق، خصوصا لوسائل الإعلام التقليدية.
إن الإعلام الرقمي ليس هو الإعلام الجديد، فالإعلام الجديد وصف لمرحلة وليس تثبيت لمسمى، إذ إن الكثير من التطبيقات التي نسميها اليوم بالإعلام الجديد، يمكن أن تكون خارج نطاق المستخدمين في المستقبل القريب، وبالتالي فإن المسمى الدقيق هو “الإعلام الرقمي” القائم على “الديجيتال” والذي يعيش تحت مظلة المنصات الرقمية والتقنية التي تُسَّير العالم اليوم بجميع مجالاته بما فيها مجال الإعلام، كون العملية التقنية هي الأساس بالعملية الاتصالية الحالية التي من خلال قنواتها تسري وسائل الإعلام، فأصبح التقنيون هم الذين يقودون العملية الإعلامية، بمعنى آخر أن شركات “كوكل” و”فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب” هم من يقودون العملية الإعلامية الرقمية بجميع مراحلها.
هذه التقنية قادت شبكات التواصل الاجتماعي لأن تكون لها استخدامات مهمة ومختلفة في هذا المجال، فمثلا الصحفيون والإعلاميون يمكن أن يستخدموها في البحث عن أخبار وموضوعات مهمة وجذابة، خصوصا الموضوعات الشائعة (الترند)، التي يبحث عنها الجمهور المستهدف، إضافة إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في نشر وتوزيع المحتوى الإخباري، فمن أهم صناعة الخبر هو توزيعه ونشره وضمان وصوله إلى أكبر قدر ممكن من الجمهور.
إن الانتشار الجيد للمحتوى لا يأتي صدفة، فاذا كان هناك خبر أو فيديو انتشر بشكل سريع، فذلك يرجع إلى تفاصيل كثيرة في صناعة المحتوى الرقمي، أدت إلى ذلك الانتشار، ومنها الإجابة على الأسئلة الثلاثة قبل صناعة أي محتوى، والتي:
أولها: ما هي أهداف نشر وتوزيع المحتوى؟: والتي من خلالها يتم تحديد شكل التفاعل المطلوب من الجمهور بعد مشاهدة المحتوى، كـ “أكتب تعليقك أو سجل اعجابك أو أعمل شير
للمحتوى”.
أما السؤال الثاني: من هو الجمهور المستهدف؟: والذي يمكن أن يحدد بناءً على الواقع الجغرافي كـانتمائه لدولة معينة، أو تحديد الجمهور المستهدف حسب الفئة العمرية، الإجابة على هذا السؤال تحدد أمور كثيرة منها اللغة والكلمات والألفاظ التي تناسب العادات والتقاليد لذلك الجمهور مع مراعاة التوقيتات المحددة والمناسبة للجمهور على حسب موقعه الجغرافي، مع الأخذ بعين الاعتبار بفروق التوقيتات.
والسؤال الأخير: ما هي احتياجات الجمهور من المحتوى؟: وتتلخص بتحديد فئة معينة من الجمهور المستهدف بشكل دقيق، تسهل جدا نوع وشكل المحتوى المطلوب لتلك الفئة.