محنة الثقافة العراقيَّة

آراء 2024/08/27
...

  د.سلامة الصالحي

الثقافة ومعنى أن يتحول المثقف إلى جلاد ومنتقم ومهذار، مستغلا صفحات التواصل الاجتماعي والحرية، التي فهمت خطأ في النيل من الآخرين والانتقام منهم. يقول على الوردي إن التناقض أو الازدواجية في الشخصية العراقية هي صراع بين البداوة والحضارة داخل نفس العراقي، فهو يظهر عكس ما يبطن أو العكس صحيح كان يعني بقوله هذا الشخصية العراقية بشكل عام كيف وقد زحفت هذه الشخصية المتناقضة والمزدوجة إلى ساحة الثقافة
 بكل موروث البداوة من الثأر والانتقام والنيل من الخصم وبطريقة جارحة تصل احيانا كثيرة إلى استباحة دمه، فهم عبر مواقع التواصل يوجهون خطابهم إلى جمهور متنوع الثقافات والاتجاهات، سواء السياسية أو الدينية أو الاجتماعية فلا يراعون سنا أو مكانة أو حتى ذات الناقمين عليه، والذي بالتأكيد ينال من عافيته، وتصالحه مع المجتمع وحتى ينال من عائلته في أحيان كثيرة. للأسف يتصدر مشهد التراشق شعراء وكتاب وأكاديميون قد لا يكتفون هم بالتجاوز على الآخر، وإهانة كرامته وتشويه صورته، بل يمدون الناشر أو الناقم بما لديهم من تبريرات عفا عليها الزمن أو قد يعطونه مبررا أخطر، وينسبونه إلى ما يسمى حديثا بالنقد الثقافي. شوهوا ما تشاؤون ومن تشاؤون. إنه النقد الثقافي القابل لكل الاحتمالات والتأويلات. تبدأ التراشقات بتدمير تاريخ الناقمين عليه إلى تشويه منجزه الإبداعي والانتقام منه وقد تصل إلى تشويه نزاهة يده. هذه التناقضات بين غربة الوعي لدى المثقف ودوره، الذي يجب أن يكون ايجابيا وبين سلوكه الانساني تجعلنا نعيد النظر بمشروعية ما يحدث وكيف يحدث ولماذا، وهل صار المثقف محتالا يتجاوز الأسماء والايماءة لها، تجنبا للمحاسبة القضائية، وهذا يجعلني أتساءل ما مشروعية ما يحدث وما الهدف منه، وهل تحولت المشاعر الشخصية وما يضمره البعض من ضغائن ضد الآخر هدفا وغاية محسوبة بدقة، لتدميره والنيل منه والقضاء عليه وبطريقة تجعلنا نعيد النظر بمفهوم الحرية الأعوج على مواقع التواصل الاجتماعي، التي استغلت بطريقة فوضوية ومخجلة وبلا ضمير فكيف يمكن تحديد المستوى الهابط عن المستوى القاتل معنويا وإنسانيا، وهل للمثقف الحق في استخدام هذا السلاح ضد الآخرين بحجة حرية الرأي والايماء والتلميح، دون ذكر الاسم بل يذكر الاسم في أحيان كثيرة، وبمنتهى الصلافة في الاساءة إلى أشخاص معينين ومؤسسات ثقافية، تم تناولها بمنتهى الوحشية والقسوة. وقد يستغل البعض وجوده واقامته خارج البلاد، ليضرب على صدره أنه سيكون المنتقم الجبار احتسابا لأيديولوجيات، لم تجلب للبلاد سوى الاذى والدمار.. وأنا أتساءل هنا هل دور المثقف التنويري والاخلاقي تحول بين أزقة التواصل الاجتماعي، إلى مقهى للحماقات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، هل ترك المثقف مشروعه الإبداعي في إزاحة القبح وتبني قيم الجمال والمحبة والتسامح إلى مشروع إثارة الاحقاد والضغائن وتسقيط الآخر والتشفي بروح الحسد والانتقام. أين هنا مسمى الثقافة والارتقاء والنبالة والإنسانية، هل خلع المثقف ثياب الإمبراطور أم توهم  بارتدائها والتلويح بمبارزة فاشلة ومقلقة لا تصب في نهر الثقافة بقطرة، سوى أنها تضيف له من المياه الثقيلة، التي على المثقف جرفها، بعيدا عن موئل الجمال والسمو والمثل الانسانية. فكيف من كان دوره تنويريا ونهضويا يتحول إلى قاتلا معنويا لزملائه ورفاقه وتحت أنساق مضمرة، مضى عليها وقت طويل ومن الممكن تجاوزها وبدء صفحة جديدة من أجل مجتمع نظيف ووطن مستقر تشيع فيه المحبة والتسامح والثقافة العميقة، بعيدا عمَّا يجرف المجتمعات إلى ضفة موحشة ويائسة ومتخلفة.