عباس الصباغ
رغم التحديات البيئية والمناخية والمائية، تضاف إليها الأمنية واللوجستية كان تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي من جملة الصعوبات، التي كانت تواجه جميع الحكومات المتعاقبة، وكان الوصول إلى درجة ( صفر استيراد) من أضغاث الأحلام، بل كان تحقيق الحد الأدنى من متطلبات السلة الغذائية هو الهدف الأول لأي حكومة، منعا لحدوث المجاعة أو شح المواد الغذائية المتعلقة بسلة غذاء الشعب، فقد استطاع العراقيون مواجهة تلك التحديات ويحققون نسبا عالية من الاكتفاء الذاتي، الذي يعرّف حسب الموسوعة الحرة بـأنه ( القدرة على إنتاج جميع الاحتياجات الغذائية وغيرها محليا، من خلال الاعتماد الكامل على الموارد والإمكانات الذاتية والاستغناء كليا عن استيراد الأغذية، وغيرها من الخارج لتلبية هذه الاحتياجات)، واليوم وعلى المستوى الزراعي، وبعد تحقيق الأمن النسبي واندثار حدة التجاذبات السياسية والحزبوية المعيقة لعوامل التنمية والتنمية المستدامة وانحسار التهديدات الإرهابية، التي عاثت في أرض العراق تخريبا وتدميرا وتوجه الجهد الحكومي نحو الإعمار وتقديم الخدمات، لا سيما في عهد حكومة السيد السوداني، التي طرحت برنامجها الحكومي وفق هذا المسعى (خدمات واعمار) كانت الخطوة الأولى هي تأمين الاحتياج الوطني من السلة الغذائية خاصة الاستراتيجية منها، كالقمح الذي وصلت نسبة الاكتفاء الذاتي إلى نسب متقدمة جدا، والخطوة الثانية وهي الأهم الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي التام، أي إلى مرحلة (صفر استيراد ) بعد أن تحول النشاط الزراعي من منتج ومكتفٍ سابقا إلى مستورد لكل شيء حاليا، خاصة بعد التغيير النيساني المزلزل وضمور الأنشطة الزراعية والحيوانية وتدهورها أو إهمالها بالمطلق وتخلي الجهد الحكومي عن التدخل في تنشيط هذا القطاع الحيوي والمهم، علما انه من جملة القطاعات الاقتصاديَّة الساندة في تمويل الدخل القومي والموازنات المالية العامة والتقليل من شبح احتكار برميل النفط ولكسر سطوة الريعية عن الاقتصاد العراقي، ورغم تلك التحديات الكبيرة فإن العراق حقق اكتفاء ذاتيا لـ15 محصولا بالنسبة للخضراوات، واقترب من الاكتفِاء الذاتي بالنسبة للمنتجات الحيوانية وفي مقدمتها الدواجن بنسبة كبيرة.
وعلى المستوى الصناعي كانت البشرى من البصرة والطموح هو تشغيل مصنع (الدرفلة) الذي سيمكّن العراق من تقليل استيراد مادة الحديد مستقبلا، ناهيك عن الحفاظ على العملة الصعبة وتوفير منتج وطني مهم مع توفير فرص عمل جديدة للشباب، يعني تحقيق اكثر من هدف في هذه الخطوة الأولى يتجسد في (الاكتفاء الذاتي من الحديد الصلب)، وان تشغيل هذين المصنعين (الدرفلة والحديد الصلب مع الخدمات الهندسية الملحقة بهما)، سيمكّن العراق من تقليل استيراد مادة الحديد مستقبلا، والهدف الثاني هو الحفاظ على العملة الصعبة من الهدر، وثالثا تشغيل الموارد البشرية والأيدي العاملة العاطلة، وتقليل نسبة البطالة خاصة المقنعة منها ولتكتمل حلقة إنتاج وتصنيع الحديد بكل الاختيارات والأنواع، بالمقابل إن الإنتاج في مادة السمنت، قد وصل إلى مراحل متقدمة جدا تقترب من الاكتفاء الذاتي لهذه المادة في الوقت الراهن. الحكومة أكدت أن البلاد تقترب من تأمين كامل احتياجاتها من المشتقات النفطية، في موعد أقصاه منتصف العام المقبل، وهو ما سيوفّر مليارات الدولارات التي ستوظف في جوانب خدمية واقتصادية أخرى، عبر التوقف عن استيراد هذه المشتقات، إضافة إلى أن منتوج زيت الغاز بلغ نسبة عالية جدا. وفي المجال الطبي سيتم توطين الصناعة الدوائية، واقتراب العراق من الاكتفاء الذاتي لأدوية الأمراض المزمنة، فيما تم الاعلان عن الاستعداد لافتتاح 18 معملاً دوائياً في منتصف
2024.