المصدر:
برنامج الأمم المتحدة للبيئة*
ترجمة: بهاء سلمان
غالباً ما يساء فهم أشجار المانغروف أو التقليل من أهميتها للأنظمة البيئيَّة، حيث ينظر إلى هذه الغابات الساحلية أحياناً على أنها «مناطق قذرة» أو «ميّتة»، وهي أرض قاحلة يمكن إزالتها لصالح الشواطئ الرمليَّة أو المنتجعات الفاخرة أو غيرها من التطورات.هذه الأساطير حول أشجار المانغروف لا يمكن أن تكون أبعد عن الحقيقة، فهي الأشجار الوحيدة التي تزدهر في المياه المالحة وتحسن جودة المياه من خلال تصفية العناصر الغذائية والرواسب.
كما أنها تزخر بالحياة؛ إذ يعتمد أكثر من 1500 نوعٍ من النباتات والحيوانات على أشجار المانغروف؛ ويشمل ذلك الأسماك والطيور التي تستخدم المياه الضحلة تحت تلك الأشجار كمشاتل. وتشير الأبحاث الآن إلى أن أشجار المانغروف مهمَّة أيضاً للثدييات الأكبر حجماً، مثل القرود والكسلان والنمور والضباع والكلاب البرية الأفريقيَّة.كما تساعد حماية أشجار المانغروف واستعادة المتضررة منها في مكافحة تغيّر المناخ من خلال عزل الكربون لأنها من أكثر النظم البيئية ثراءً بالكربون على هذا الكوكب، حيث تخزن في المتوسط ألف طنٍ من الكربون لكل هكتار في كتلتها الحيوية والتربة الأساسيَّة. بيد أنَّ هناك تهديداً يواجه أشجار المانغروف؛ فعلى مستوى العالم، اختفى خُمسها
بالفعل.
يكمن الدافع الرئيس لفقدان أشجار المانغروف في التنمية الساحلية، إذ تجري إزالة غابات المانغروف لإفساح المجال للمباني ومزارع الأسماك أو الروبيان.
وتقول «ليتيسيا كارفالو»، رئيس قسم المياه البحرية والمياه العذبة في برنامج الأمم المتحدة للبيئة: «أشجار المانغروف هي نظامٌ بيئيٌّ متنوّعٌ ومهمٌ بشكلٍ ملحوظٍ، يعمل جنباً إلى جنب مع النظم البيئيَّة البحريَّة الأخرى، بما في ذلك أحواض الأعشاب البحريَّة والشعاب المرجانيَّة، وكلها ضرورية ليس فقط لصحة محيطنا وسواحلنا والتنوّع البيولوجي الذي تدعمه، ولكن أيضا لرفاهيَّة البشر. نحن بحاجة أيضاً إلى حماية واستعادة أشجار المانغروف لأنها موطنٌ مهمٌ ومصدرٌ لإمدادات الغذاء للعديد من الشعوب الأصلية والمجتمعات المحليَّة في جميع أنحاء العالم».
ولأجل الاحتفال باليوم العالمي للمانغروف، قمنا بتجميع خمس فوائد رئيسة لنظم المانغروف البيئية مقترنة بالصور الفائزة من جوائز تصوير المانغروف، وهي مسابقة سنوية بالشراكة مع عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظم الإيكولوجية وعقد الأمم المتحدة لعلوم المحيطات.
أولا: أشجار المانغروف هي أبطال المناخ
لتحقيق أهداف المناخ العالمية، يحتاج العالم بشكل عاجل إلى الحد من الانبعاثات وإزالة الكربون من الغلاف الجوي. وتعتبر أشجار المانغروف بالغة الأهمية في هذه المهمة الثانية، فهي تستخرج ما يصل إلى خمسة أضعاف الكربون الذي تستخرجه الغابات على الأرض، وتدمجه في أوراقها وأغصانها وجذورها والرواسب الموجودة تحتها. وتعني الظروف المالحة والفقيرة بالأكسجين تحت غابات المانغروف أن تحلل المواد العضوية يحدث ببطء شديد. في الظروف البيئية المناسبة، يمكن لأشجار المانغروف تخزين الكربون الذي أخذته من الغلاف الجوي لعقود أو قرون أو حتى آلاف السنين.
ثانيا: تحمي أشجار المانغروف من الطقس القاسي والكوارث
لا تساعد أشجار المانغروف في منع تقدم تغيّر المناخ فحسب، بل تلعب أيضا دورا مهما في الحد من تأثيره؛ فمع إرتفاع درجات الحرارة العالمية، أصبحت الأحداث المناخية المتطرفة مثل العواصف والفيضانات أكثر تواترا وشدة. تمتص جذوع أشجار المانغروف تأثير الأمواج، مما يجعلها خط دفاع أمامي ممتاز يساعد في حماية الأراضي المرتفعة.
إن استعادة وحماية أشجار المانغروف وتقدير دورها كحل قائم على الطبيعة يحسّن من مرونة المجتمعات الساحلية والاقتصادات الوطنية.إلى جانب التدابير الأخرى، من المتوقع أن تولد الاستثمارات في أشجار المانغروف فوائد أكبر بنحو أربعة أضعاف من التكاليف.
كما وجد أن أشجار المانغروف تشكل دفاعا فعالا ضد موجات المد العارمة، حيث تقلل من ارتفاع الأمواج بنسبة تتراوح بين خمسة و35 بالمئة.
ثالثا: أشجار المانغروف ملاذ للحيوانات المهددة بالانقراض
من بين أكثر من 1500 نوع تعتمد على أشجار المانغروف من أجل بقائها، فإن 15 بالمئة منها مهددة بالإنقراض.
هذا العدد يتزايد عند النظر إلى الثدييات: ما يقرب من نصف الثدييات التي تعيش أو تتغذى في غابات المانغروف يمكن أن تنقرض في السنوات القادمة، مع تفاقم الاتجاهات بالنسبة لمعظمها.
رابعاً: تعزز أشجار المانغروف الأمن الغذائي
لكونها ملاذاً للتنوّع البيولوجي، تدعم أشجار المانغروف مجموعة كبيرة ومتنوّعة من النباتات والحيوانات، وكثير منها مهم لإنتاج الغذاء.
وهي تعمل كحاضنات للأسماك الصغيرة وموطن للنحل. وبالنسبة لـ 1.5 مليار شخص، تعد الأسماك المصدر الأكثر أهمية للبروتين، وفي البلدان ذات الدخل المنخفض التي تعاني من عجز غذائي، يأتي ما يقرب من 20 بالمئة من متوسط تناول البروتين الحيواني من
الأسماك.
خامساً: يمكن لأشجار المانغروف أن تنتعش بشكل طبيعي
إن إعادة النظم البيئية المفقودة إلى الحياة مهمة شاقة. ومع ذلك، فإن إحدى أكثر الطرق فعالية لحماية واستعادة أشجار المانغروف المتضرّرة تكمن في تعزيز الإعتراف بحقوق الشعوب الأصلية الجماعية وتطبيقها عمليا والسير بإجراءاتها عبر الطيف الأوسع من الحوكمة البيئية وسيادة القانون كما هو متصوّر في إطار كونمينغ مونتريال العالمي للتنوّع البيولوجي.
هذا مهم بشكلٍ خاصٍ نظراً لأن «الشعوب الأصلية عالمياً هي أمناء على 80 % من التنوّع البيولوجي على الكوكب، مع 5000 ثقافة تقليدية فريدة وأرض أجداد تغطي 32 بالمئة من جميع الأراضي والمياه الداخلية في العالم عبر 90 دولة».