نرمين المفتي
بالرغم من نفي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وجود أية دوافع سياسية في اعتقال (بافيل دوروف)، رجل الأعمال الملياردير الروسي، الذي يحمل الجنسية الفرنسية وهو مؤسس وصاحب شركة تطبيق تيليغرام فور وصوله مطار لو بورجيه، شمال باريس، بداية الأسبوع الحالي، على متن طائرته الخاصة، إلا أن اعتقاله أثار الكثير من المناقشات والتعليقات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن اصدار البيانات، وهناك من لمح إلى (تسييس التكنولوجيا) و (تحديد حرية التعبير). واستنادا إلى وسائل إعلام فرنسية، فإن «التحقيق يركز على نقص المشرفين على التطبيق، وإن الشرطة ترى أن هذا الوضع يسمح للنشاط الإجرامي بالاستمرار دون رادع على هذا عليه». ونقلت وكالة الانباء الفرنسية عن مصدر مقرب من القضية إن «هيئة مكافحة العنف ضد القاصرين في فرنسا أصدرت مذكرة اعتقال بحق دوروف، للتحقيق الأولي في جرائم مزعومة، تشمل الاحتيال والاتجار بالمخدرات والتنمر الإلكتروني والجريمة المنظمة والترويج للإرهاب»..في الوقت نفسه، اصدر شركة تيليغرام بياناً نشرته على التطبيق جاء فيه إن رئيس الشركة التنفيذي بافيل دوروف «ليس لديه ما يخفيه»، وإن إشراف الشركة على التطبيق «يتوافق مع معايير الصناعة ويتحسن باستمرار»، و»من السخافة القول بأن مالكها مسؤول عن إساءة استخدام المنصة». اسس دوروف تطبيقه في 2013 وغادر روسيا في 2014، لرفضه مطالب حكومية بإغلاق مجموعات المعارضة على منصة التواصل الاجتماعي الخاصة به «في كونتاكتي» VK التي باعها. وبعد البحث عن مقر لشركته في عدة دول، من بينها سنغافورة وأمريكا، استقر في دبي في 2017 واصبح مواطنا فرنسيا في 2021. وقامت روسيا بحظر تطبيق تيليغرام في 2018، بعد رفض دوروف تسليم بيانات المستخدمين ليلغى الحظر في 2021. وفي تصريح سابق، قال دوروف “إن بعض الحكومات سعت إلى الضغط عليه، لكن التطبيق الذي يضم الآن 900 مليون مستخدم نشط، ينبغي أن يظل (منصة محايدة) وليس (لاعباً في الجغرافيا السياسية)”. ربما هنا يكمن سبب اعتقاله، يقول البعض. وإذ أدانت منظمات أوروبية عدة روسيا حين حظرت التطبيق في 2018، تساءلت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، بمنشور على التيليغرام إن كانت المنظمات غير الحكومية الغربية، ستطالب السلطات الفرنسية بالإفراج عن بافيل دوروف أم ستصمت؟ يدافع البعض عن دوروف بأن تطبيقه كانت المنصة الوحيدة لا تشارك اية معلومات مع اية جهة مهما كانت طبيعتها، لذلك كان “لابد” من اعتقاله والضغط عليه، من خلال توجيه التهم اليه لتغيير سياسته في النشر. وهذه نقطة نتوقف عندها، فحرب الابادة التي يرتكبها النازيون الجدد ضد غزة منذ اكثر من 10 أشهر لا نجد اخبارها وبياناتها وصورها التي تكشف الجرائم إلا على منصة تيليغرام وبنسبة اقل على منصة X، لذلك حذر أليكسي بوشكوف، رئيس لجنة سياسة المعلومات بمجلس الاتحاد الروسي، ايلون ماسك في منشور على قناته على تيليغرام، قائلا “تم اعتقال بافيل دوروف في باريس اليوم. الدكتاتورية الليبرالية لا تتسامح مع المنعزلين الذين يدعون الحرية ولا يلعبون وفقا لقواعدها. إيلون ماسك كن مستعدا”. وقال توكر كارلسون، المذيع الأمريكي اليميني المعروف في تغريدة على X “غادر بافيل دوروف روسيا عندما حاولت الحكومة السيطرة على شركته للتواصل الاجتماعي، تيليجرام. ولكن في النهاية، لم يكن بوتن هو الذي اعتقله لأنه سمح للجمهور بممارسة حرية التعبير. بل كانت دولة غربية، حليفة لإدارة بايدن وعضو متحمس في حلف شمال الأطلسي، هي التي حبسته. يجلس بافيل دوروف في سجن فرنسي الليلة، وهو تحذير حي لأي مالك منصة يرفض فرض الرقابة على الحقيقة بناءً على طلب الحكومات ووكالات الاستخبارات. إن الظلام يخيم بسرعة على العالم الحر
سابقًا”.
اذن، الظلام يخيم، ليس مع اعتقال دوروف، إنما حين تم الكشف لأول مرة أن ادارات مواقع التواصل الاجتماعي تسرب معلومات حين الطلب وتلغي صفحات وقنوات حين الطلب من الحكومات، وحتى قبل انتشار المواقع الاجتماعية، كان العالم “الحر” يسمح بنشر معلومات غالبا لم تكن صادقة لتمرير مشاريعه، خاصة في منطقتنا أو في أفريقيا، ومنع دائما نشر الحقائق، إلا بعد ان تحولت المشاريع إلى كوارث، وغالبا لم تنشر الحقائق كلها.