ترانيم ملوَّنة إلى كوكب حمزة

ثقافة شعبية 2024/08/29
...

 سعد صاحب

ملحن منح الإبداع العراقي أجمل الأغنيات الصامدة، بوجه الظروف والمتغيرات السريعة وتقلب الأمزجة وتراجع الذوق العام، وهو واحد من أعمدة اللحن البارزين، ولا يمكن أن نتذكر الألحان من دون أن يجيء اسمه كأحد المحدثين، في عالم الموسيقى القابل للتطور والتجدد والاتساع، وفقاً للأحداث المؤثرة في الواقع.
وكنا نتوقع منه المزيد في رحلته الدنماركية الطويلة، لكننا لم نجد أي تغيير يلفت الانتباه، سوى بعض العطاءات الشحيحة بالأسلوب الرشيق نفسه، و الإمكانيات السابقة نفسها. (اغنياتك صارت الكل عامل وجندي صديقه / حركت بينه المشاعر / حركت بينه الحنين ودمعة المالوم صعبه / بيهه حاصوده وگناطر / بيهه طلاب المدارس بيدهم احلى الدفاتر / بيهه طالب جان راسم عود يعزف فوك كتبه / بيهه طير وبيهه نجمات ومكاتيب وندى واترف حديقه).

خيطٌ رفيع
في ألحانه خيط رفيع صعب الاكتشاف، يحمل بين طياته تراث القومية الكردية الفيلية المهمشة حتى الآن، وهذا الانكسار القومي والخيبة الفكرية والتداعيات النفسية الخطيرة، والإرث الثقيل من المعاناة والإحباط والشراسة والقسوة، جعله يرى في الوطن أنثى مائعة، وفي الاغتراب ذكورة قاسية تتعامل بحد الخناجر والسكاكين، وبين الأنوثة المسترخية والفحولة الهائجة ضاعت حياته سدى، وتوزعت أيامه القلقة بين المنافي والأمصار والفنادق والبلدان السعيدة، لأهلها الماكثين فيها، والحاقدة على القادمين إليها من الشرق البعيد، المحاصر دائماً بالنار والبارود والجوع واللهيب والفوضى والثورات والحريق. (الظروف الودتك لديار غربه / كوخ بالقاسم تحبه / حتى اكثر من بحيرات التلم بطوط حلوه / لسه فوگ شفافنه من الماضي غنوه / لسه فوگ خدودنه من الناس حبه / لسه ذاك بنادم المقهور خايب / لسه دنيانه عجايب / لسه نظرات الحرس صوبك مريبه / والطفل لساع موعد ينتظر / هلبت الحلوه بعد نسيان تشتاگ وتمر / هلبت بكاس الشهد ذاك الجمر يطفه لهيبه).

أسلوبٌ خاص
شخصيته اللحنية معروفة وغير مبهمة الملامح، ومنذ سماعك للمقدمة الموسيقية بإمكانك أن تقول : هذه الأغنية من ألحان كوكب حمزة، وذلك لما يمتاز به من أسلوب خاص، وهو يحب أن يكون كل مقطع لحني مستقل بذاته، لكنه ليس مفككاً أو بلا مقومات ناجحة، ولهذا دائماً ثمة ترابط بين الفواصل، لكي يكون العمل متماسكاً وله إيقاع يضبط الأجزاء المتناثرة، وهذا ما نراه جلياً في النص الشعري المرموق (مكاتيب) الذي كتبه زهير الدجيلي وغناه سعدون جابر. (يا مكاتيبك بعيده / كل حرف يسوه قصيده / كل حرف يسوه جريده / كل حرف اشواگ شايل / كل حرف نشوان مايل / يا بخت كلمن يلوح يا بخت كلمن يغازل / يا بخت كلمن نصب شبچه ويصيده / وانتظرتك شايل بروحي الرسايل / والطفل شايل ورد فواح بيده / لكن انته الما اجيت/  مدري وادم غيرنه اليهواهه گلبك لو نسيت / ينتظر ملهوف جيتك باب بيت / تنتظر جيتك سمانه الضاويه الحلوه الجديده).

إنجاز خلاق
السبعينيات فترة الإنجاز الخلاق، يومها كانت الألحان في أرقى حالاتها، وأحدث مقاماتها وأعذب أنغامها الموسيقية الناضجة، المبنية بطريقة علمية هارمونية محكمة، بعيدة عن المباشرة والتسطيح والدونية والارتجال، كان جامحاً في الفضاء الرحيب، يبحث عن المختلف ويقتنص المفيد ويضيف عليه من روحه المرهفة، ويبتكر الجديد من القديم، فتشعر أنك في صالة للعزف الأندلسي الطليق، تستمع إلى موشحات في قمة الحداثة والاعتبار والتطور والتكامل. ( يا محطات السفر بالليل وحشه / رعشه تاخذها وترد بالروح رعشه / والمطر يرسم وطن فوگ الحقيبه / ذيج يا عيني نجمتك / ضاويه بنص الحطام / ذيج يا عيني شمستك / والفت كل حاجب وكل عين شهله / والفت كل ديج احمر يركض بنص الغمام / فوگ من ذاك الچتف لساع خصله / فوگ من ذاك الظهر تلعب گصيبه / والچفافي تطير وتحط الچفافي / والنسايم كلها مليانه عوافي / والمرح والكيف والحب ند قوي بوجه المصيبه).