د. طه جزاع
قبل أن تستقبل عامها السابع والثمانين، رحلت سهى الطريحي عن دنيا عاشتها وفق إيمانها وفلسفتها وقناعتها. ودَّعتها في ذلك اليوم مئات الكتب باللغتين العربية والإنكليزية، وعشرات الأعمال الفنية والتحف الفضية والنحاسية والخشبية والتماثيل الصغيرة المكدسة على المناضد والرفوف كانت قد حرصت على جمعها خلال سفراتها وسنوات عملها الدبلوماسي في جنيف ونيودلهي وبروكسل، ومنها تماثيل بوذا وآلهة الهندوس التي اقتنتها يوم عملت بصفة الوزير المفوض القائم بأعمال السفارة العراقية في نيودلهي أواخر السبعينيات. اهتمت بالبوذية والمعتقدات الهندوسية وبالممارسات الصوفية في النِحَل الدينية، وأحبت الهند بتعدد طوائفها وأعراقها ودياناتها، ودخلت المعابد الهندية لتكون قريبة من الناس وكأنها واحدة منهم، وكان آخر اصداراتها ترجمتها لكتاب " المهاتما غاندي الكنز الذهبي" الذي كتبت في أول سطر من مقدمته هذه النبوءة الشخصية " ربما سيكون هذا الكتاب آخر ترجمة بالنسبة لي !! ". وهكذا كان.
تروي سهى أن والدها محمد حسن الطريحي كان مدنياً مسالماً رغم مهنته العسكرية، وكان متأثراً بأفكار المهاتما غاندي ونهرو، وحزب المؤتمر الهندي، ولديه صداقات مع السفارة الهندية في الخمسينيات من القرن الماضي، وقد تأثرت بذلك، وزاد من تأثرها عملها الدبلوماسي في الهند التي استهوتها كثيراً، وكانت تشعر في نيودلهي كأنها عادت إلى بقعة مألوفة في روحها. هي معجبة بانتهاج غاندي سبيل التسامح واللاعنف في المقاومة، وقد حافظ على روح الهند العظمى بمغزله وعنزته، وإزاره القطني الأبيض. في ذلك الصباح من أواخر أيام 2021 رنَّ هاتف خلوي من بين أربعة هواتف متناثرة على أطراف سريرها، ردَّ شقيقها هيثم. إنها السفارة الهندية تعزي برحيل عاشقة الهند .