قسم وكالة اسيوشيتد برس في مونتيفيديو
ترجمة: بهاء سلمان
بعد مرور ما يقرب من خمسين عاما على اختفائها القسري، حصلت جثة إمرأة من أوروغواي على مراسيم دفن لائقة، إذ كانت «أميليا سانخورجو» قد تعرّضت للاختطاف من قبل سلطات أمن بلادها، خلال فترة الحكم العسكري الاستبدادي الذي شهدته أوروغواي. وتم استخراج شظايا عظام «أميليا سانخورجو» قبل نحو عام تقريبا من حفرة كانت مدفونة فيها ضمن قاعدة عسكرية تقع عند بلدة جنوبية صغيرة في أوروغواي. وتم التعرف عليها مؤخرا بعد أن أخذ المحققون عيّنات من الحمض النووي التابع لخالتها وأبناء أخيها المقيمين في أوروغواي وإسبانيا وإيطاليا على أمل العثور على تطابق في الحمض.
وكانت أميليا، التي عملت موظفة في دار للنشر، معروفة بما يتذكّرها أقاربها وأصدقاؤها عنها كشخصية لطيفة وصبورة، ومرتبطة بالحزب الشيوعي الاوروغوياني، تبلغ من العمر 41 عاما وكانت حاملا حديثا عندما قبض عليها في أحد شوارع مونتيفيديو يوم 2 تشرين الثاني 1977. وقال ممثلو الادعاء إنها ماتت إثر تعرّضها للضرب والتعذيب داخل مركز احتجاز عسكري بعد ستة أيام من اعتقالها.
وتوصف عملية التعرّف على رفات أميليا بمثابة نجاح نادر لفرق الطب الشرعي، التي استعادت فقط رفات خمسة أشخاص آخرين اختفوا في أوروغواي منذ بدء عمليات التنقيب سنة 2005. ولا تزال الغالبية العظمى من نحو 200 شخص اختطفوا وقتلوا خلال فترة الحكم الديكتاتوري للبلاد مجهولة الهوية. ويقول المحققون إن البحث عن شظايا العظام والأسنان وقطع الملابس هو الجزء الأصعب، لأن سلطات النظام الاستبدادي، كانت تزيل عمدا آثار البقايا ضمن محاولاتها إنكار تعرّض المعتقلين للتعذيب والقتل.
عملٌ جماعي
«كل عملية تطابق للهوية تمثل متعة لنا؛ لأنها تأكيد لمهمة عظيمة يتم تنفيذها بهدوء من قبل مجموعة كاملة من المهنيين وعلماء الآثار وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء الوراثة والمؤرخين،» بحسب «كارلوس فولو»، مدير المختبر الوراثي لفريق أنثروبولوجيا الطب الشرعي الأرجنتيني، الذي ساعد بتحديد هوية الضحية. فقد تجمّعت حشود حزينة، وسط مدينة مونتيفيديو مؤخرا، حول الصندوق الخشبي الصغير الذي كان يحمل رفات اميليا خارج «جامعة الجمهورية»، وهي مقر محققي الطب الشرعي الذين تعرّفوا على رفاتها باستخدام الاختبارات الجينية. وعبرت عن مشاعر التأثر العمليقة بلقاء الأحضان تارة، وبالبكاء تارة أخرى. أما أقارب المختفين في أوروغواي فقد استذكروا دور والد أميليا وشقيقتها المتوفين، إذ أشاروا إلى تكريسهما لحياتهما بحثا عن السيدة الراحلة، وقد توفيا منذ مدة قبل الحصول على هذه النتيجة. وعلق «إغناسيو إراندونيا»، عضو المجموعة التي اختفى أقاربها: «يمثل هذا اليوم لنا بأننا عثرنا على أميليا وأصبح بإمكاننا توديعها، وهو ما ينبغي الاستمرار بعمله لسنوات عدة.»
وأرسل أقارب أميليا الناجون، المنتشرون اليوم في جميع أنحاء أوروبا، رسالة تمت قراءتها بصوت عال عند تشييع جنازتها، حيث وضع المشيعون الورود الحمراء والصفراء على نعشها. وقالت «ميكايلا مول»، ممثلة الأقارب: «كان النظام الاستبدادي قاسيا معها كما كان مع كثيرين آخرين، ما جعلها تدفع ثمنا باهظا مقابل عملها البسيط والشجاع المتمثّل بالحلم بعالم أكثر عدلا ودعما.. لقد كرّست حياتها كلها لنشاطها وكانت ثابتة حتى النهاية.»
عدالة متأخرة
ويعد تحديد هوية الضحايا جزءا من جهد أوسع لتحقيق العدالة والمساءلة بعد مرور أربعين عاما على نهاية الدكتاتورية في أوروغواي، وهو فصل مؤلم من التاريخ إجتاح فيه الحكم الاستبدادي العنيف أميركا الجنوبية. وما بين العامين 1973 و1985، أطلق جيش الأوروغواي العنان لحملة قمع بعد أن قمع إلى حد كبير انتفاضة فصائل مسلحة، ما أدى إلى اختفاء 197 شخصا، وفقا لإحصاءات حكومية.
إنتهى الأمر بعدد لا يحصى من مواطني أوروغواي الذين اختطفتهم الدكتاتورية العسكرية إلى الاحتجاز في الأرجنتين نتيجة لعملية كوندور، وهي خطة سرية نفذتها العديد من الأنظمة الاستبدادية في أميركا الجنوبية للقضاء على خصومهم اليساريين. وقد حددت فرق الطب الشرعي حتى الآن هوية 31 مواطنا من الأوروغواي المختفين، استنادا إلى الرفات التي تم العثور عليها في أماكن أخرى من المنطقة، بضمنها مراكز الاحتجاز السرية في الأرجنتين.
كانت معالجة الأرجنتين لماضيها الدكتاتوري العنيف بشكل خاص أكثر شمولا بكثير من أوروغواي وغيرها من البلدان المجاورة. فبعد عودة الحكم المدني إلى الأوروغواي، أصدرت الحكومة عفوا عن جرائم الطغاة وكذلك معارضيهم من الفصائل المسلحة، ما أدى إلى تأخير العملية القضائية.
أما الأرجنتين، حيث تقدر جماعات حقوق الإنسان أن ثلاثين ألف شخص اختفوا قسرا، فقد أصدرت محاكمها أكثر من 300 حكم، تضمنت أحكاما ضد آلاف المسؤولين العسكريين، بسبب جرائم ارتكبت خلال عهد نظام الجنرال الاستبدادي بينوشيت. وفي أوروغواي، تم إجراء أقل من 30 محاكمة قضائية.
وتسعى التغييرات القانونية الأخيرة إلى تسريع الحركة القضائية. ويقول رئيس أوروغواي، «لويس لاكال بو»، إن تحديد هوية اميليا يظهر «التزام الحكومة بالبحث عن المختفين».
وكالة اسيوشيتد برس الاخبارية