الضّفَّة الغربيَّة صفيحٌ ساخن

آراء 2024/09/04
...

  سناء الوادي

لطالما تركزت أعين العالم منذ السابع من أكتوبر على قطاع غزة، إلا أننا ومن اللحظات الأولى حذرنا مما كان يحدث في الضفة الغربية، وأشرنا إلى أنَّها تقبع على صفيح ساخن ينذر بقرب الانفجار بالقريب العاجل. مما لا شك فيه أنَّ رئيس حكومة الاحتلال اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو وعقب فشله بتحقيق أهدافه من غزو القطاع، خلا تدميره وتمزيقه وقتل قرابة الخمسين ألف فلسطيني جلُّهم من الأطفال، قد كشَّر عن أنيابه وبكل شراسة، أعلن مساء الثلاثاء الماضي انطلاق عملية عسكرية شاملة على مناطق الضفة الغربية بما أسماها «عملية المخيم الصيفي» عملية نوعية كبيرة من نوعها، تذكرنا بما حدث عام 2002 في الضفة، غير أنَّه للمرة الأولى تقصف مناطق الضفة بطيران الهيلوكوبتر والمسيرات، ناهيك عن الاقتحامات والتي لم تتوقف منذ بداية طوفان الأقصى.
وبالعودة خطفاً إلى أيام قليلة تسبق الثلاثاء وعندما اختبر وزير الأمن الداخلي بن غفير ردود الفعل العربية والعالمية، حينما اقتحم باحة المسجد الأقصى المبارك على رأس ثلاثة آلاف مستوطن إسرائيلي، معلناً عن عزمه إنشاء كنيس يهودي في باحة المسجد باستخفافٍ صارخٍ بعواقب ذلك، ينبئ عن ضوء أخضر أمريكي من جهة وصمتٍ رسميٍّ عربي متغافل غاضٍّ للطرف عما يجري، وما أعظم دروس التاريخ عندما يذكرنا هذا بكلام « إيغال غالون»، نائب رئيس حكومة الاحتلال في ستينيات القرن الماضي، أكَّد فيه أنَّ العالم نعم سيقف مكتوف الأيدي أمام السياسات الاستيطانية الإسرائيلية، والتي كانت حينها تجري على قدمٍ وساق على مرأى من العالم أجمع، وتخترق اتفاقية جنيف، بل وتنافي القانون الإسرائيلي نفسه، الذي يمنع سكنى الاسرائيليين بمناطق أجنبية استحوذ عليها الجيش كالضفة وسيناء والجولان، إثر هزيمة جيوش العرب في عام 1967، ولربما كانت تلك الخطوات الأولى الخجولة للاستيطان، الذي بات اليوم منتشراً في الجسد الفلسطيني كالسرطان الخبيث، معلناً قتل ذلك الجسد إحياءً للجسد اليهودي لدولة احتلالية غاصبة دموية. وعلى ذلك فإن معاناة أهل الضفة الغربية، عمرها امتد لخمسة عقود سابقة، بتواطؤ من السلطة الفلسطينية، التي كانت ومنذ اتفاق أوسلو اليد الراعية، لتنفيذ مخططات اليمينيين اليهود بتضييق الخناق على فلسطيني مخيمات الضفة حيث تجري عمليات الاقتحام والاعتقال للشبان، دون وجه حق وتقضم الأراضي من أصحابها وتمزق أراضيهم وأملاكهم، بحجة تنفيذ خطط تنظيمية للمستوطنات لتوفير الطرق والمنشآت وبناء العوازل لضمان سلامة وأمن المستوطنين، حتى وصل الأمر بتسليحهم منذ السابع من أكتوبر لمواجهة الفلسطينيين وقتلهم أو دهسهم بكل دمٍ بارد، وبذرائع واهية تندرج تحت عنوان الدفاع عن النفس من إرهاب عناصر المقاومة، والتي تعد تلك المخيمات الحاضن الفعلي لها.
ومن هنا فإن العملية الجديدة التي تستهدف أهل الضفة لا تختلف في أهدافها عمَّا يحدث في غزة، وهذا بات جلياً بعد إعلان الكنيست عن رفضه قيام دولة فلسطينية مطلقاً، وفي ذلك فإن الوجود الفلسطيني بالضفة بعدد يفوق الثلاثة ملايين شخص، لا يتلاءم مع ديموغرافية الدولة اليهودية والتي تمنع أن تكون الغالبية فيها من العرب، وهنا يتراءى الحل في الأفق بتهجير أهل الضفة إلى الأردن كما يجري العمل على تهجير أهل قطاع غزة إلى مصر بشتى الوسائل الدموية، وفي حقيقة الأمر، فالموضوع يحمل في طياته جزءاً كبير من القدسية بالنسبة لليمين المتطرف الذي يحكم إسرائيل، فالسيطرة على يهودا والسامرة في إشارة للضفة هي من الأحلام الدينية، التي يسعون لتحقيقها واقعاً.
وما نقلته صحيفة يديعوت احرونوت عن تقرير يشير إلى أنَّ « أمان « شعبة الاستخبارات العسكرية، قد نقلت تحذيراً للمؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بتوقع ـ قرب حصول تصعيد في الضفة قد يرقى لأبعاد انتفاضة في العمق الإسرائيلي ـ خيرُ دليلٍ على نيَّة البدء بالخطوات الأخيرة لتنفيذ مخطط التهجير وتعميق نظام « الأبرتايد « الحاصل الآن، مترافقاً مع الصمت العربي والعالمي أمام آلة القتل الإسرائيلية.

 كاتبة وإعلامية سورية