سعد صاحب
الشيء اللافت في ديوان (اغاني درويش)، وجود ثلاث قصائد، هي (كؤوس الالم – اضحك دغش – بكائية للسياب)، من اصل اثنتي عشرة قصيدة، مكتوبة على بحر البسيط (مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن) المسمى في الشعر الشعبي العراقي (النايل) ومعنى النائل في اللغة العربية الفصحى الجود والكرم والعطاء، وهو وزن معطاء برنين جرسه المحبب الى الاذن المرهفة، ورحابة روحه واتساعها لاستيعاب المضامين العديدة. كتب المتنبي على هذا الوزن قصيدته الشهيرة (عيد بأية حال عدت يا عيد)، وخط الجواهري ملحمته الخالدة على السلم الموسيقي الهائل نفسه (يا دجلة الخير يا ام
البساتين).
وما يحسب لهذا البحر الغور في الاعماق السحيقة، والسماوي لا يكتبه بقيوده المحكمة، بل يزحف على اوزان اخرى لاجل التنويع والتحرر من السلاسل، وبالرغم من تعدد الاراء بخصوص البحور، الا ان هناك مشتركات لا يمكن تجاوزها، لا من الجمهور الذواق ولا من قبل النقاد المختصين.
(ماتت وجوه الخجل / صوت النثايه يصيح / مكتوب معنى الشرف/ برمال اخذهه الريح/ بالگصه ماظل عرگ/ والغيره نطفة تسيح/ العار لف النفس/ ماتسوه خلهه تطيح/ چذب السوالف طفح/ ماظل مچان
نزيح).
ملاك
الحزن في قصائد عزيز السماوي طاهر كالملاك، ونقي مثل الثلج الابيض الناصع، تارة ياتي ناعما كثياب النساء الرقيقة، وتارة يجيء خشنا، قريب الشبه بنهايات الجبال المسننة، ولا غرابة في ذلك لان الجيل الستيني المتأثر بالوجودية، تربى على العدم والهلع والتمرد والمأساة.
(يظل دربك اثر خيال/ صفنة وللعجاج يحن/ سنطة الخوف ياخذنه/ دمي اعلى الثلج يصفن/ ون ون يمر بيني لبينك موت/ انت الريح وانه الصوت/ انزل للگلب بس صوت/ وانت الريح تاخذنه ونرد اشعار/ وي خفك البيارغ والشموع سنين/ تمس وجه الظلام يلين/ نصعد بالفرح نجمات/ والشمعة گمر
بالطين).
كمين
يعاني السماوي الكثير من الاضطرابات النفسية، ويعيش قلقا داخليا، اكثر من قلق الجندي الخائف من الوقوع في الكمين، وربما تطور المجتمعات المعاصرة يعد واحدا من اهم الاسباب لمعاناة الانسان الدائمة. ويبدو ان هذه الحالة وراثية في العائلة، فشقيقه الاكبر شاكر السماوي مسكون بالرهاب، ولم يكن قلقهما عابرا على الاطلاق، بل انه يجمع بين المرضي والاعتيادي والابداعي، والاخير اثبت حضوره في العديد من التجليات والمعاني والصور والاصداء، والاخلاص لهوية الذات الانسانية المعذبة.
(وتصطف الارواح بحيل تبني من النفس فد طوف/ حنينه الروح وكت الخوف/ اخذ طولي جذع للطوف/ ويمر الخوف يمر الخوف/ يمر الخوف برد ازرك/ يلم روحي زمن ويطوف/ ياخذني ابعد ماجيت/ ويذبني گمر
ماشوف).