مواطنون وخبراء: وداعاً للحلول الترقيعيَّة
ذو الفقار يوسف
تصوير: احمد جبارة- علي قاسم
يقطع فالح كل يوم مسافة 20 كم من الطرقات، متوجهاً إلى عمله الكائن في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد، فالوصول إلى مقصده والعودة إلى منزله بعد إكمال مهامه هو نصف مجهوده اليومي، الزحام هو ما يتعبني، هكذا قال بعد أن تنفس الصعداء عندما اختتم هذه المعاناة بكلمة "كانت" وهو يصف نهاية هذا العناء بفعله الماضي.
وكما فالح العديد من المواطنين الذين عانوا من هذه الظاهرة التي رافقت جيلاً كاملاً، لا جسور ولا طرقات، زحام مستمر طوال اليوم بلا حلول، عجلات استسلمت لعادة امتدت منذ سقوط النظام السابق، لكن، ها هم العراقيون قد آن لهم الخلاص عبر حكومة تحاول قدر استطاعتها أن تغير هذا المصير، فكيف يكون المواطن، إذا اتسم بنكران التغيير؟.
في "الكية" نفسها
وفي آذار من عام 2023 كان وقع خبر إطلاق الحزمة الأولى من مشاريع فك الاختناقات المرورية في بغداد على العراقيين من قبل الحكومة ببرود وأمل مؤجل لحل مشكلاتهم، تساؤلات اعتادوا أن يتساءلوها فيما بينهم، في جلساتهم، عند موائد الطعام، وفي مناسباتهم السعيدة والحزينة، وفي عجلات النقل العام عند ذهابهم إلى أعمالهم كل يوم، المواطن فالح الزبيدي (46 عاماً) كان أحد هؤلاء المتسائلين، فهل سيصدق القول هذه المرة؟، ليفتتح بذلك في مركبة "الكية" بوادر الشكوى اليومية التي يسمعها كل من استقل سيارات النقل العام في أحد أشهر الصيف الطويلة وهو يقبع تحت سلطة فرعون الزحام.
يقول الزبيدي: "كنا نحتج على كل الخدمات المفقودة إلا الزحامات، فنحن نجد وجودها سرمدي البقاء في حياتنا، لا مناص منها في كل يوم، إلا أننا اليوم قد لاح فينا أمل التغيير، نرى لافتات كتب عليها "نعتذر لازعاجكم.. نعمل لخدمتكم" ونشعر بسعادة، لكوننا افتقدناها منذ سنين، مجسرات على قيد الإنشاء وهي تلقي بشموخها على شوارعنا، مشاهد ورؤى تحاكي التطور الذي يريده كل مواطن في بلده، أحلام قد بدأت تتحقق في مجسر وجسر وشارع ومشروع قد صدق إنجازه".
المواطن الزبيدي يتحدث لـ (الصباح) بلهفة محب للوطن، ويؤكد "بالرغم من هذه الإنجازات التي شهدناها على مدى سنتين، إلا أننا ما زلنا نتذكر تلك الوعود التي قطعت لنا من قبل حكومات ومتعهدين ومسؤولين قد جعلونا في فوهة الأحلام المؤجلة، فذاك ينادي بحملات الإعمار وهو لم يقم بإكساء شارع في منطقة سكنية، وآخر قد استثمر منصبه ليخلق سلسلة من الشركات الفاسدة التي تعطل المشاريع لأجل المكاسب المادية، ولا ضحية غير المواطن والمال العام الذي ينهب باستمرار، إلا أن اليوم نشهد زوال هؤلاء من خلال حكومتنا، وهي ترتق الفتق كما أردناها، وتكمل المشاريع بأوقات قياسية، لتجعلنا متأكدين بأن الترقيع قد ولى عهده أخيراً".
تقليص النقمة المجتمعيَّة
المحلل السياسي والأمني علي البيدر هو الآخر قد رأى، أن "حكومة السوداني خلقت مفهوماً إصلاحياً جديداً، وثقافة إصلاحية داخل مؤسسات الدولة وعقلية السلطة وذهنيتها في التعامل مع تفاصيل مختلفة، ليس فقط نتحدث عن جانب الخدمات والإعمار، وإنما تغيرت عقلية السلطة في التعامل مع المواطن وجميع المفاهيم في نظرتها لنفسها، وإعادة الثقة للشارع العراقي". منوهاً بأن "هناك قفزة نوعية تحققت على الأرض من خلال تسخير جهود الدولة لخدمة المواطن عبر مشاريع ستراتيجية لا ترقيعية، غيرت نظرة الجميع، وزرعت مساحة ومسافة من العمل لدى المواطن، وها هي الدولة اليوم تغطي جزءاً كبيراً من الخدمات التي يحتاجها المواطن".
يشير البيدر عبر حديثه لـ (الصباح) إلى أن "المجسرات التي أنجزتها الحكومة والتي تعد مشاريع طويلة الأمد ذات فائدة إيجابية مباشرة للمواطن، وحققت فائدة أخرى في جمالية الصورة، خصوصاً في العاصمة، إضافة إلى نظرة المستثمرين الأجانب، وكل هذه الأمور تحسب للحكومة الحالية ووزارة الإعمار والبلديات، ولرئيس الوزراء الذي استطاع أن يصنع واقعاً خدمياً مختلفاً، ما جعلها تقلل النقمة المجتمعية التي كانت تركز على تحدي المنظومة السياسية أو الحكومات السابقة".
يتابع البيدر، أن "المواطن يبحث عن حكومة إصلاح وخدمات وتغيير وإنجازات وأعمال ملموسة، لا حكومة أقوال وأحاديث ووعود، لذلك على الشارع أن يرد لها الجميل من خلال استمرار وجودها في أعلى رأس السلطة، ومن خلال انتخابها مجدداً خدمة للصالح العام في البلد، لتواصل مسيرتها في العطاء والإنجاز وتحقيق المشاريع التي ينفذ الآن قسم منها والتي قد تفوق مراحل تنفيذها عمر حكومة السوداني". مشيراً إلى أن "الموضوع ليس بسياسي بل يعد رغبة بتقديم الخدمات للمواطنين، وهذا ما يحتاجه المواطن لكي تتغير عقلية السلطة في البلد".
ما يريده الشعب
العراق عانى حقباً من التلكؤ منذ أكثر من عشرين عاماً، ما جعل اليأس يكون ديدن المواطنين في البلد، إلا أن النهضة العمرانية التي شهدها العراقيون في عام 2023 والعام الحالي أكدت لهم أن عهد "التلكؤ" قد ولى بالمشاريع المتحققة.
الحاج حارث العاني (57 عاماً) بين عبر حديثه لـ (الصباح)، أن "الإنجازات التي شهدها البلد في هذه الفترات جعلته يتيقن بقرب نهاية أزمة نقص الخدمات على جميع المستويات، فالعراق يتقدم من خلال حكومته في مجال الإعمار، لكنه لم يقف عند هذه الحدود، فتوجه نحو معالجة المشكلات الاقتصادية والتنموية". مؤكداً، أن "تراكمات المشكلات التي شهدناها في الحكومات السابقة كانت كفيلة أن تجعل أي حكومة تواجه صعوبات التنفيذ والتحقيق، فأي إنجاز في الوقت الحالي يعد كبيراً في عين المواطن العراقي".
يوضح العاني، أن "الحكمة في إنهاء المشكلات المستعصية التي تواجه البلد، وحل أزمة الزحام المروري يعد تحدياً كبيراً للحكومة الحالية، إذ إن ما حققته في الآونة الأخيرة يجعلها حكومة يعتمد عليها في مواجهة المصاعب التي تحيط بالعراقيين منذ أكثر من عقدين، وهذا ما نتأمله كمواطنين مراقبين، فالمجسرات قد نصبت بأوقات قياسية وبمواضع يصعب تحقيقها بسهولة، ومثال على ذلك مجسر قرطبة الذي نصب في بقعة يمر بها العراقيون للتوجه لأعمالهم، كونها مركز العاصمة، ناهيك عن المجسرات التي نصبت في مناطق مهمة أخرى، لذلك نشد على سواعد الحكومة كمواطنين بأن تكمل مسيرتها نحو عراق متطور خالٍ من الفساد وذي بنى تحتية رصينة".
محاولات لتقزيم الإنجاز
أما الخبير الاقتصادي مصطفى الفرج فأوضح، أن "بناء المجسرات في بغداد والمحافظات العراقية له أهمية كبيرة في حياة المواطنين، حيث أن هدفها المهم في تقليل الزحامات المرورية وتحسين السلامة المرورية وتعزيز الوصول إلى المناطق المختلفة يجعلها أولوية كمطالب لدى العراقيين". مشيراً إلى أن "هناك العديد من الفوائد التي يشهدها البلد في ظل إنجاز هذه المشاريع، فتوفير الوقت لدى المواطن العراقي يعزز من اقتصاده، بينما يقلل إنهاء مشكلة الزحام من استهلاك الوقود اليومي، ورفع مستوى البنى التحتية التي افتقدها المواطن بالحكومات السابقة".
ويبين الفرج في حديث خص به (الصباح)، أن "حلولاً كثيرة تتفرع من خلال الإنجازات التي شهدناها في ملف مشاريع فك الزحام المروري، فتقليص التداخل بين الحركة المرورية وحركة السير والمشاة، وبذلك يتم تقليل الحوادث المرورية التي نشهدها في البلد". مؤكداً أن "بناء المجسرات حالة إيجابية يعزز من مكانة المدن وتطورها ويحسن من حياة المواطنين كتسهيل الحركة المرورية، ولكن للأسف هناك البعض ممن يحاولون "تقزيم" الإنجازات التي حدثت في الآونة الأخيرة ويقللون من أهميتها لأهداف لا تخدم مصالح البلد".
يشير الخبير الاقتصادي إلى أن "حكومة السوداني تختلف عن الحكومات السابقة، كونها جادة في البناء والإعمار وتعزيز بناء البنى التحتية، ولاحظنا في العام الحالي هو عام إعمار وبناء كما وعد به رئيس الوزراء". مبيناً، أن "الحكومة طبقت برنامجها الحكومي بشكل كبير لغاية الآن، فهي قد أنجزت جزءاً كبيراً منه على مرأى المواطنين، ونتمنى أن تستمر بإنجازاتها التي تخدم المواطنين في الأعوام المقبلة على مستوى الخدمات والإعمار والبناء والتي بدورها تعيد ثقة المواطن بحكومته، وذلك من أجل عراق أفضل في جميع المجالات".