أيمن حسين.. وجَزاء الإبداع

الرياضة 2024/09/09
...

علي رياح



بعد ثوان فقط من انطلاق صفارة نهاية مباراتنا مع عُمان بفوز صعب لكنه في غاية الأهمية، كان أيمن حسين يقف بجواري وقد وضع يده على صدره مُحاولاً إخفاء أوجاع الإصابة التي رصدناها خلال المباراة وكنا نخشى على هدّافنا المتألق من تبعاتها وتداعياتها، وها هو بعد المباراة يتفادى حديث الألم لينطق بلسان الفرح المُتحقق بهذا الفوز.

بعيداً عن العدسة، قال لي أيمن إن الآلام تتصاعد وأنه يخشى من أثر أكثر فداحة من مُجرد الألم، فكان لا بدّ من الإسراع في مغادرة الملعب للوقوف على حالته دونما إبطاء، وكان مشهداً يفوق الوصف أن يضغط الرجل على صدره في محاولة تخفيف الألم بينما كان يوزع الابتسامات والتحيات على جمهورنا الذي لم يكن يعلم بخبايا ما يجري.

بعد مدة وجيزة، كانت وسائل التواصل الاجتماعي تضجّ بالقلق والسؤال عن الوضع الصحي لأيمن حسين حتى جاءت اللحظة التي تمّ فيها الإعلان عن حالته وفقاً للفحوصات الأولية ومن ثم انتقاله إلى الكويت للمزيد من الفحوصات والمباشرة في العلاج من منطلق قرب المسافة الفاصلة مع البصرة.. 

مَرّت في ذهني كل هذه الفصول بين لحظة الإصابة والقلق الذي استبدّ بالجميع، وكنت استرجع في الذاكرة ما واجهه أيمن حسين من ضغوط خلال مسيرته الكروية التي رسّخها بعصاميته ودأبه فضلاً عن إمكانياته.. كان في كل منعطف زمني يواجه تحدياً من نوع مختلف انطلاقاً من أولئك المُشككين الذين حاولوا تثبيط عزيمته، وتحركوا مراراً لوضع العصي في عجلة استمراره مع المنتخب ولم تكن تأخذهم به إنسانية أو موضوعية في حدّها الأدنى.. وأنا شخصياً كنت استمع إلى قصص في هذا السياق كان يرويها أيمن إليّ في منتهى الصراحة والثقة أيضاً، وكنت أملك إزاء هذا وأنا في بيته أن أشدّ من عزيمته وأؤكد له أنه لا يصحّ إلا الصحيح، وأن النقد مهم في حياة شخصية عامة مثل لاعب دولي في كرة القدم لأنه يشخّص السلبيات.. كنت أهوّن عليه الأمر، لكنني في قرارة نفسي كنت أدرك الدوافع والأهداف التي كانت تقف وراء تلك الهجمات النقدية غير المُتّزنة التي استهدفت مهاجمنا الخلوق.

وكان على أيمن حسين أن يخرج من كل معترك أو تحد أو نوبة نقدية وهو ثابت الخطوة، راسخ الجنان، واثق في أنه سيقدم المزيد، حتى جاء اليوم الذي يتحوّل فيه إلى صانع للفرح، فكثيراً ما جاءت أهدافنا في المشاركات والمباريات الأخيرة بإمضائه لتجد أروع صدى، أعني محبة الجمهور له ويقينه المتصاعد بأن أيمن قد وضع بالفعل قدميه على سكة النجومية الدولية وصار اسماً يُشار إليه بالمحبة والإشادة على مستوى القارة الآسيوية كلها..

ولم يكن هذا التفاعل الإنساني الرائع الذي أبداه العراقيون مع أيمن حسين بعد مباراة عُمان غريباً أو معزولاً عن قاعدة من الثقة والاحترام والنجاح أسّسها اللاعب برفقة هذا الجمهور.. ويقيني أن هذا هو الألق الحقيقي الذي يمكن أن يُحيط بأي لاعب من طرازه، وسيكون بعد اكتسابه الشفاء دافعاً للمواصلة والبذل خصوصاً أنه فرض محبته على المنتقدين له بسبب أو من دون أي سبب، فقد صاروا يُهللون له بعد أن أدركوا أن جمهورنا يحفظ الجميل والصنيع ويردّه بأحسن صورة وتفاعل ومحبة.