ربما لست الشخص الوحيد الذي يفكر كثيرا في شكل صامت.فلا احد في هذا البلد يعيش منسجما مع نفسه.انا شخصيا نموذج للشخص الذي صنعته السياسة طيلة العقود الماضية.واطل علينا التغيير بروحه الجديدة التي لم نفهمها بصورة جيدة.
لكن دعوني اتحدث بصراحة لن تؤذي احدا.ففي مثل هذا الوضع السياسي المعقد يكون اكثر ما يقال في السياسة هو تحصيل حاصل اي انه كلام غير مفهوم يقال من دون ان يثير فينا رغبة حقيقية بمتابعته والاستفادة منه.
ساتكلم عن قضية خاصة لكنها تهم الجميع بلا استثناء.هذه القضية هي انشغالنا الدائم بتلك الحاجة الكبيرة للشعور بالامان.ما معنى ذلك الخوف العام الذي نتحدث عنه بشكل متكرر ونتمنى ان نتخلص منه على الفور من دون ان يكون هناك حل حقيقي لازمتنا الامنية وما تخلفه من ازمات متلاحقة.
في ظل اجواء سياسية كهذه لن يكون الانسان الا كائنا يحس بضياع هويته رغم انه يملك كل اوراقه الثبوتية.ويبدو ان الاوراق الثبوتية كالهوية وبطاقة السكن وشهادة الجنسية لا تمنح الانسان اطمئنانا حقيقيا.ما يمنحه ذلك الاطمئنان هو السلطة التي توفر كل شيء من دون ان يحس الفرد بان هناك من يمن عليه.
لذا لا ابالغ لو قلت ان هذه الفوضى غير المنقطعة من المشاكل السياسية ستكبر داخل عقولنا وتتضخم.ومن ثم نجد انفسنا بدون سند داخلي يشعرنا بامان يرتبط بانسانيتنا كبشر.بفقدان الامان يفقد الناس ذلك الفرح الانساني.ويظلون غائبين عن انفسهم.
ان الصراعات السياسية لا تقل خطورة عن بيئة ملوثة بمرض الكوليرا.الفتك واحد والتدمير متشابه.ودعوني اوضح هذه الفرضية اعني مدى خطورة الصراع السياسي الذي لا يقل شراسة عن الكوليرا او اي مرض اخر.
حين اتعرض يوميا لعشرات القصص والحوادث المتعلقة بقضية الوطن وكلها تنسى ولا تعالج هذا يعني انني في المكان الخطأ.هناك راي علمي يقول ان العقل او الدماغ يتغذى على الاوكسجين.وانا اظن ان العقل بدوره يتغذى على كل ما يراه من فوضى سياسية وفساد وقصص تخريب البلد المتعلقة بضرب اقتصاده.ينمو العقل على هذا الطعام السياسي اليومي.وبعدها يبدأ العقل بممارسة نشاطه.ويظل الانسان يفكر ويفكر وينفعل ويشتم حين يشاهد برنامجا سياسيا او حين يدخل في حوار مع الاخرين.
عقلي استبد كثيرا قبل يومين.ولناخذ هذه الحكاية على انها نموذج واقعي لعقل يتناول طعاما مؤلفا من فساد سياسي تحاول الحكومة محاربته.اسمعوا..
كنت اسير ببطء كعازب في باب المعظم وقت الظهيرة.كان الجو حارا لكني مضيت كمهر الى شارع المتنبي.اشتريت ثلاثة كتب فلسفية.وعدت باتجاه جامع الحيدرخانة.شعرت برغبة قوية للصلاة وفرحت لاني وصلت قبل موعد الاذان.صليت ركعتين.تخلصت من ضغط السياسة.وحين بدأنا بالصلاة كنت فارغا من الافكار.وفجأة قفزت فكرة استقالة عبد المهدي من عقلي كقطرة باردة.كنت في الركعة الثانية.