طالب القره غولي.. انتقالة نوعيَّة باللحن العراقي

ثقافة 2024/09/11
...

 بغداد : رشا عباس 

استذكر بيت المدى للثقافة والفنون بالتعاون مع معهد غوته، الجمعة الماضي، في شارع المتنبي الملحن الراحل طالب القره غولي الذي ترك بصمة كبيرة، منذ بدايته بعالم الموسيقى والغناء حتى وفاته في الناصرية، مشكلاً انطلاقة مهمة في تاريخ اللحن العراقي.

ففي سبعينيات القرن المنصرم عرف بأغنية "ياخوخ يازردالي"، إذ كان أول لحن يقدمه من كلمات الشاعر زامل سعيد فتاح، غناء منير حسني، وهنا استطاع الراحل أن يلبس الأغنية السبعينية حلة جديدة، وينطلق ليصل صوته إلى مساحات شاسعة وجمهور أكثر، بحسب الدكتور عبد الله المشهداني. 

وأضاف: الأصبوحة بمثابة وقفة وفاء لقامة فنية مبدعة، أحبت العراق، وحاولت إخراج الأغنية من النمطية إلى التجديد الواعي بموسقة الكلمات بالألحان الجميلة التي تلامس شغاف القلب. 

أما الباحث الموسيقي حيدر شاكر فقد أشار إلى اللقاء الأول الذي جمعه مع القره غولي في العام 1996 بحفل خاص بأحد البيوت، وأدى مجموعة من أغانيه، التي نالت الإعجاب وهو في 

ذروة تألقه، لافتاً إلى أن الراحل تدرج بالأغنية العراقية، لا سيما المدرسة السبعينية وصولاً إلى محطته الأخيرة التي عرج لها 

شاكر في حديثه، عندما احتفى به المهتمون بالغناء وسط جمهور غفير، وقدموا أعماله بحضوره شخصياً،  ما دعاه إلى التأمل وبتواضعه قال "هل أنا لحنت كل هذه

الأعمال". 


رمزُ عراقيٌّ خالد

الفنان كريم الرسام برفقة فرقته الموسيقية: رؤوف عزيز على آلة الكمان وأحمد الكردي على الأورغن، أطرب الجمهور بأغانٍ سبعينية منها: حاسبينك، تكبر فرحتي بعينك، وغيرها من الأغاني التي طالما عشقها الرواد والجيل الحالي وتأثر 

بكلماتها، فهو يشعر بالفخر عند تلبية دعوة تقدم له من أي جهة تحتفي أو تستذكر قامة فنية ورمزاً عراقياً خالداً في الوجدان، متحسراً على رحيله الزاخر بالعطاء، ليشاطره الرأي المطرب مجدي حسين الذي هو الآخر قدم أغنية "جذاب" من أعمال الفنان الراحل، أداها بحرفية عالية قائلاً: "الفنان المحتفى به تعامل مع أصوات عربية، فقد لحن لوديع الصافي وسميرة سعيد ووردة الجزائرية وسوزان عطية وغيرهم، فضلا عن لقائه بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، فهو تأثر بالتحولات اللحنية، لا سيما التجربة المصرية 

وعلى الرغم من تلك الامتدادات المتعددة امتاز بالذكاء في اختيار الخامات الصوتية وتعامل مع شعراء عراقيين مثل مظفر النواب وزهير الدجيلي وكاظم الركابي وزامل سعيد فتاح، مؤكداً: نحن لا نبخل بعطائنا في استذكار الكبار والرواد الذين أعطوا

للفن.


وثائق وطنيَّة مؤرشفة

من جانبه، أشار الشاعر حيدر عبد الخضر إلى جذور القره غولي الجنوبية التي تحتفظ بالكنوز الغنائية والأطوار مثلما تحتفظ بالآثار الحضارية، لكن أبناء هذه المنطقة عانوا كثيراً من الحروب والحصارات ومروا بتحولات سياسية وثقافية واجتماعية، انعكست على طبيعة أعمال الفنان طالب القره غولي وترجمها بشكل حسي، وترك بصمة ليس على المستوى المحلي، إنما العربي، مؤكداً أن الاحتفاء به واجب فني، كونه الوجه الحقيقي للعراق الذي عرف بتاريخه وحضارته وعطائه الإنساني، وأسهم في إشاعة مساحة الجمال أمام الخراب والقبح، فأغانيه تحمل في طياتها الهموم السياسية ومعاناة وتهميشاً ومصادرة تعرض له أبناء الجنوب على حد سواء فهي ليست أعمالاً، تسمع إنما تؤرشف وتحفظ كوثائق وطنية للأغنية العراقية، موضحاً أن استذكار رموز عراقية خالدة ماهو إلا درس مهم يقدم للأجيال المقبلة، يثبت أن هؤلاء كانوا مخلصين لأرضهم وأوطانهم ورسالتهم الفنية التي ينتمون

إليها. 

وفي الختام، عد النقاد والمختصون ألحان طالب القره غولي انتقالة نوعية في اللحن العراقي، تبقى خالدة في الذاكرة وعلى مر السنوات، وتمثل وجهاً مشرقاً في التاريخ 

الغنائي.