مظفر النوّاب مبتكر الشعر الشعبي الحديث

ثقافة شعبية 2024/09/12
...

 سعد صاحب 

يتميز النواب بخصوبة الروح، ومرونة الخيال ورشاقة اللغة والرؤية الشعرية البعيدة، وحرية اختيار الموضوع الشعري الملائم، لما يصبو اليه من تطلعات فكرية ناضجة، والتحديث المستمر للشكل والبناء والمفردات والتراكيب والمحتوى، وسيولة الصور الشعرية المتدفقة مثل تيار ماء جارف.

صورة تسابق الأخرى بجمالها السامي، وهو سيل ابداعي صاخب لا يعرف السكون والاجترار والتقليد والنضوب.(حمد راح بليل/ وما داوو هله جروحه الچثيره/ ون ونين التيل المكهرب من اهله/ وعاشر الكارون وبشوش السمر والگبره السمره الزغيره). والنواب شبه الموقد الذي كلما تصب عليه الزيت، يتقد اشتعالا والنار المستعرة هي القصائد، تلك التي تترك عند الاستماع اليها، في النفوس الانبهار، ولا زالت حتى الآن تعيش أجواء القبول والرضا والاهتمام والاشادة، لكونها تجمع في كينونتها الصوت الجماعي العام للمجتمع، والصوت الفردي للشاعر، من دون إثارة حساسية الاخرين، وهذا ما يثبت تأثير المبدع على ضمائر الناس والقلوب والعقول، وبشعره الثوري المليء بالسخط والتحريض والحماس والجرأة والاقدام، اصبح ندا قويا للحكام والطواغيت ومختلف الانظمة الجائرة. (يا حمد الحمود المطبر/ حسافه تموت بالوحشه وهلك عين العشيره/ لا تون بسكوت/ واهلك نيمو البرنو على الروفات للضربه 

الچبيره).


رواد 

لم يكتب القصيدة كإجراء روتيني بلا ضرورة، او دون حاجة نفسية ملحة، بينما الشائع هذه الايام بين الشعراء الكتابة الدائمة، حتى لو كانت بلا مبرر معقول، لغرض الاستدعاء في مهرجان او استضافة في برنامج تلفزيوني، يوفر للمدعو المشاهدة والشهرة والمال والاضواء البراقة الزائفة، وهنا يتحول الشاعر الى موظف حكومي، عليه انجاز مهام العمل المكتبي، المناط به من قبل الدائرة، وهذا قتل متعمد للابداع.(مودع بالبارود العنبر/ يالعينك شگ الله بخنجر/ وامروز الريحان تهمهم لذيالك حتى الذبلانه/ حتى المكسوره بخاطرها/ عطشانه اتگلك 

عطشانه). والسبب الرئيس لهذا الكم الهائل من الاشعار المتدنية عند الشعراء الشباب، يعود الى اهمال منجز الرواد، وعدم الاهتمام به من قبل الأجيال اللاحقة الا ما ندر، ومن الواجب الاخلاقي متابعة هؤلاء المبدعين الكبار، والبحث في المكتبات عن دواوينهم الرائعة، وعليهم حينما يعثرون عليها، الاحتفاظ بها كما كنز ثمين، لأن أشعارهم خارطة الطريق وبوصلة 

اليقين. (فييني بصدات عيونك/ جيتك اركض للدغاره/ وخذني بجفينك للمغرگ/ اشبع موت وذبني احجاره/ صداتك شذرات المحزم/ 

والخرزه بريسم وبشاره).

حين ابتكر النواب القصيدة الشعبية الحديثة، لم يقف عند هذا الحد، واكتفى بما قدم لنا من النماذج الراقية، المشهود لها بالريادة والكفاءة والجدارة، بل فتح العديد من الافاق، أمام عيون الولادات القادمة، وراح يواصل المشوار المضني بلا تراجع، وبنشاط منقطع النظير اكتشف الغامض المجهول، من طبقات الشعر الرصين، وكان مسكونا بالدوافع الصادقة للاختلاف، والرغبة الشديدة بإيجاد أساليب أكثر عمقا، تستوعب مختلف الحالات الانسانية المتناقضة، للنفس البشرية الهائمة في عالم غريب، وتدوين ما يعتريها من العشق والحنين والضجر والخوف والحقد والاشتهاء والاحتجاج والعزلة والغضب. (ونتساكت واتحچي اضيوفك/ وادافع انه وكل گلبي نريد نشوفك/ ونشبع منك/ كون الطيره تشوف الماي وتشبع منه/ كون الترفه تحل گذلتهه وما تنفك بيبان الجنه). 


انغلاق 

الانغلاق الشعري حالة مذمومة وكريهة وغير مقبولة، فالشعر ليس عقيدة سياسية مغلقة على اهدافها المحددة، والمنتمي اليها يكون متعصبا حد التطرف والانفعال والعداء والمغامرة، والتعصب لا يتيح للمبدع مجاراة العالم المتطور، في الأدب والعلم والاقتصاد والسياسية والفنون، ومن لم يواكب حركة التجديد العالمية، سوف يبقى مترنحا في آخر الركب وتعبره القافلة. (يالتبرج وشلون نشوفك/ يالشايل حظنه اعلى 

جفوفك). 

والنواب كتب القصيدة العمودية والتفعيلة والحرة، وادخل النثر في بعض المقاطع، وتخلى عن القافية والوزن وتمسك بالموسيقى الداخلية والايقاع، وهكذا ديدن المبدع الحقيقي، يحب المجازفة ويتلذذ بتجربة الاشياء الجديدة.(وشبعانه اسوالف ومشابگ/ بس انه العشگك سباحه وكلهن طابگ/ موش احلفنه وگلنه انموت وما نتفارگ/ جا ليش بساع تفارگنه/ چذابي مشينه مزعلينك 

جا دلحگنه).