زيارة الرئيس الإيراني للعراق.. تأكيد على المصالح المشتركة وتطوير العلاقات

آراء 2024/09/17
...


 محمد صالح صدقيان

 

أنهی الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان زيارةً للعراق اختلف عليها المعنيون بها داخل العراق وخارجه؛ داخل الإقليم وخارجه. 

الزيارة من وجهة النظر الإيرانية زيارة ناجحة بجميع المقاييس، إنها الزيارة الأولی للرئيس الإيراني بعد تشكيل الحكومة والتي خصَّ بها العراق، وهذه لها دلالاتها المتعدّدة خصوصاً أنه زار أكثر من مدينة في العراق فبالإضافة إلی العاصمة بغداد زار أربيل، السليمانية، النجف، كربلاء والبصرة والتقی الفعاليات السياسية والشعبية، وزار مدناً يزورها رئيس إيراني لأول مرة مثل أربيل والسليمانية والبصرة. الزيارة أيضاً شملت التوقيع علی 14 مذكرة تفاهم في مجالات متعدّدة كالسياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام والسياحة.

البعض نظر لهذه الزيارة نظرةً اتسمت بالتشكيك والاستغلال علی خلفية المقاطعة التي تتعرّض لها إيران والعراق يعدّ المتنفس الاقتصادي لإيران، وطهران تريد استغلال علاقاتها من أجل القفز علی أجواء المقاطعة الاقتصادية أو الالتفاف علی هذه العقوبات من خلال القدرات الاقتصادية العراقية. البعض الآخر قال إنَّ الإيرانيين استبقوا انسحاب القوات الأميركية من العراق خلال العامين 2025 و2026 وبالتالي يحاولون سدَّ الفراغ الذي سيتركه الأميركي والتواجد محلّه. أما البعض الثالث فإنه رأی أنَّ زيارة بزشكيان لإقليم كردستان والتحدث باللغة الكردية مع وسائل إعلامه تهدف إلی تطوير علاقات إيران مع الإقليم وإعادة صياغة هذه العلاقات وتحديداً مع أحزابه الرئيسة كالحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني من أجل الاستفادة منها في ترويض الكرد الإيرانيين واستخدامها في تحسين الوضع السياسي في المناطق الإيرانية التي تقطنها غالبية كردية.

لا أريد الدخول في صحة ما تم تداوله من ملاحظاتها من عدمها؛ لكنَّ حقيقة التاريخ والجغرافيا بين العراق وإيران تتحدث غير ذلك. فامتلاك البلدين حدوداً مشتركة تزيد علی ألف وثلاثمئة كيلومتر تصطف بالقرب منها مدن البلدين من أقصی الشمال إلی أقصی الجنوب يعطي هذين البلدين مقومات جيوسياسية وجيواستراتيجية من أجل العمل لخدمة مصلحة البلدين وشعبيهما. إضافة إلی ذلك فالعوامل التاريخية والدينية والثقافية والاقتصادية التي تمتدّ لعمق التاريخ تشكل نقاط قوة تخدم مصالح البلدين خصوصاً أنَّ الحكومات التي حكمت العراق قبل العام 2003 حاولت السير عكس التيار وبدّدت بذلك مصالح الشعبين العراقي والإيراني علی حد سواء. اللافت أنَّ الشعبين سارعا للمعانقة بعد العام 2003 واجتازا الحدود المشتركة دون إذن من أحد ودون قرار سياسي من البلدين؛ وما لمسه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في كلِّ المدن العراقية التي زارها من حفاوة رسمية وشعبية وسياسية يعكس حقيقة هذه الاجواء سواء في بغداد أو الإقليم أو بقية المدن الأخری. 

في العودة للملاحظات السابقة فإنَّ إيران تُعدّ من الدول الفريدة من نوعها والتي تحدها 15 دولة، إذ تمتلك علاقات اقتصادية متميزة مع جميع هذه الدول سواء مع الشرق حيث شبه القارة الهندية ودول آسيا الوسطی والصين وروسيا أو من الشمال حيث تركيا أو من الغرب حيث العراق مروراً بدول مجلس التعاون انتهاء بسلطنة عمان وبالتالي فإيران تملك علاقات تجارية ونجحت بتجاوز ظروف المقاطعة خلال العقود الأربعة الماضية. أنا لا أريد التقليل من حجم المخاطر التي تفرضها ظروف المقاطعة الظالمة علی الشعب الإيراني لكني أعتقد أنَّ من يقول إنَّ إيران تستغل العراق للتنفيس الاقتصادي فإنه لا يصيب كبد الحقيقة. أو أنَّ إيران تريد أن تملأ فراغ الانسحاب الأميركي فإنَّ هذا الانسحاب سيقتصر علی القوات القتالية وطهران لا تريد أن ترسل قوات قتالية للعراق لتحلَّ محلَّ القوات الأميركية؛ أما ما يتعلق بالوضع الكردي فإني أعتقد أنَّ قراءة تاريخ العلاقة بين إيران والحركة الكردية العراقية خلال العقود السبعة الماضية كفيلة بدحض مثل تلك التصورات. العلاقة بين إيران وكرد العراق علاقة متميزة قبل 2003 وبعده؛ وما حصل من توترات لأسباب معروفة نجح الجانبان في إعادة بوصلة العلاقات لحالتها الطبيعية عندما زار رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني طهران في مايو الماضي ليعيد بوصلة العلاقات بما يحقق مصالح الشعبين والبلدين بعيداً عن تدخلات أطراف أخری. 

زيارة الرئيس الإيراني شملت أربعة ملفات أساسية بحثها مع من التقاهم في العراق.

الملف الأول: اقتصادي لمتابعة عملية تحرير الأموال الإيرانية المحتجزة في البنوك العراقية بسبب رفض الجانب الأميركي السماح لهذه الأموال المتعلقة بمبيعات الغاز والكهرباء والمشتقات النفطية بالانتقال لإيران؛ إضافة إلی معالجة مشكلات التجار في كلا البلدين ووضع أطر مناسبة للتعامل التجاري وضمان رؤوس أموال الجانبين.

الملف الثاني: أمني في متابعة الخطوات الأخيرة التي بدأها العراق بتفكيك معسكرات الحركات الكردية الإيرانية المنشقة القريبة من الحدود الإيرانية وتأمين هذه الحدود لتكون حدوداً آمنة لتطوير عمليات التبادل التجاري والتنمية وإعادة بناء المدن المتضررة من تواجد تلك المجموعات المسلحة التي تضر إيران ولا تخدم العراق. 

الملف الثالث: متابعة خط سكك الحديد الذي يربط مدينة الشلامجة الإيرانية بمدينة البصرة العراقية والتأكيد علی أهمية هذا الخط الاستراتيجي للبلدين الذي يستطيع أن يتصلَّ بشبكة سكك الحديد في البلدين ليصل العراق بآسيا الوسطی من جهة وشبه القارة الهندية والصين وروسيا من جهة أخری؛ فيما يربط إيران بتركيا وأوروبا ولربما بسوريا والبحر الأبيض المتوسط مستقبلاً. 

الملف الرابع: بحث إمكانية استمرار العراق بجهوده السياسية والدبلوماسية بترطيب العلاقات بين إيران والدول العربية وتحديداً الأردن ومصر كما كان في الجهود التي بذلها افي استضافته مباحثات طهران والرياض والتي أثمرت إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. 

وفي المحصلة فإنَّ تطوير العلاقات البينية بين دول الإقليم يصب في نهاية المطاف بمصلحة العلاقات الإقليمية وبمصلحة الأمن والاستقرار في هذه المنطقة التي تتطلع إلی عناصر الأمن والسلام والتعاون والتنسيق.