بغداد: نوارة محمد
يقول عازف بلوز وروك أمريكي من أصل أفريقي جيمي هندركس إن «الموسيقى لا تكذب، فإن كان ثمة تغيير نريد إحداثه في العالم فالطريقة الوحيدة هي الموسيقى»، ويصفها الأديب الفرنسي فيكتور هوغو «تفصح الموسيقى عن تلك الأشياء التي لا نستطيع الحديث عنها، ولا نقدر السكوت عليها». ومن هنا فإن ارتباط الموسيقى يّعد ارتباطاً بحيواتنا، ووجودنا، وكياننا وتأثيرها يقع مباشراً علينا، فكيف تؤثر الموسيقى في أمزجتنا؟ يقول الموسيقي محمد العطار إن «الايقاع والموسيقى التي نختار أن نستمع اليها يمكن أن تتحكم في التأثير على مزاجنا، ويمكن أن تمارس دورا في التحكم بالجهاز العصبي الدماغي، إذ يمكن أن تعزز المشاعر السلبية - مثل الغضب أو العدوانية أو الحزن - أو تثير الفرح والحب والشعور بالخِفة، ويمكن للأشخاص أن يواجهوا الصدمات والأزمات النفسيَّة والخضوع للعلاج بالاستماع إلى المقطوعات الموسيقيَّة، ويعتمد هذا الأمر على طريقة اختيارها».
في المقابل، يقول الموسيقي خضر حمودي: تمتاز الموسيقى عن سواها بكثير من الأمور الفنية بطابعها الذي يؤثر في الروح، إذ يحدث ذلك من عمق الشجن الذي تحويه المقطوعات الموسيقيَّة، وهو ما يفسر التفاعل الجسدي الذي يبديه الجماهير في الحفلات الموسيقية، وهو يعتقد أيضا أن تأثير الموسيقى في الترابط الاجتماعي مرتبط بإحساس أو تجربة الإيقاع، إذ أن المستمعين يتحركون جميعهم بنفس الايقاع، وبنفس التأثير الروحي، كما أنها تثير المشاعر ذاتها لدى الاشخاص أيا كانت، مشاعر الفرح، الحزن، الحنين أو اللهفة والاشتياق.
لكن العازف والموسيقي سامي نسيم يرى أننا نعاني من عدم امتلاكنا موسيقى تؤثر في مزاج المستمع، بل على العكس من ذلك نحن نكتفي بالعويل وهو القريب إلى النواح: ليس لدينا موسيقى تؤثر في مزاج الأغلب من المستمعين لسبب أنها غير معروفة لهم، ويكتفون بالمحلي وهو عبارة عن عويل وأقرب منه للنواح، وهناك عوامل مساعدة في هذا الأمر كون الطلبة منذ المدارس الابتدائية لم يخضعوا لدرس تذوق موسيقي نموذجي عالمي بل ذات القصة يكتفون بموسيقى الشوارع وهي ضجيج، وكذلك ما تبثه القنوات الفضائية من موسيقى رخيصة وغناء كلامه مبتذل لا قيمة له، نقول ذلك من دون مجاملة، ورصد حقيقي لما هو واقع مزري، في دول العالم المتقدمة بالتعليم تراعي ذلك، وهو عبارة عن بناء ذات الإنسان منذ صباه، فمن تربى على ذائقة سمعيَّة عالميَّة رصينة من موسيقى كلاسيكية بعصورها المعروفة يكون محصناَ، ويبحث ويدرك ما هو مميز وإبداعي في موسيقانا العربية أمثال فيروز، ومحمد عبدالوهاب ومنير بشير، وجميل بشير، وعمر خيرت، لذا ان بناء الذات والمعرفة يتطلب جهداَ كبيراَ.
وإذا كان ثمة ما يميز العمل الدرامي فإن الموسيقى التصويرية تعد أهمها بحسب العازف والموسيقي يوسف عباس: تترجم الموسيقى حالة المشاعر والانفعالات الداخلية المختلفة في الدراما والأفلام السينمائية وهي ما تميز الأعمال الفنية وهو ليس سهلاً، أن تجسد المقطوعات الموسيقية مشاعر الغضب والانفعالات، والشعور بالحب والحزن ليس سهلاً أبدا فالموسيقى تضفي الكثير من الحيوية على الأعمال التلفزيونية وثمة امتزاج بين الصوت والصورة، ووظيفة التأليف الموسيقي ليست مجرد خلفية للمشاهد والأحداث الدرامية فحسب لكنها انعكاس لحالة الممثل ومواكبة انفعالاته الداخلية ومشاعرهُ المختلفة لذا أنا شخصيا في تجاربي شديد الحرص على قراءة السيناريو واكتشاف الشخصيات لاختيار ما يناسبها في الموسيقى التصويرية والداخلية.» يقول أحمد نسيم وهو طالب ماجستير في كلية الفنون الجميلة ببغداد أن «أكثر ما يساعده على الاسترخاء والتركيز أثناء كتابة اطروحته هي الموسيقى.» فهو مع الموسيقى يبدو مسترخيا وقادرا على الكتابة والتفكير بشكل أفضل». ويرى أيضا أنها ليست وظفيتها تحسين المزاج أو القدرة على الإبداع فقط، لا بل إن تحريك الرأس أو التصفيق أو الرقص يُعزز شعور الإيقاع من خلال ربط الإشارات السمعية والحركية في الدماغ.
في سياق متصل، أثبت العلم الحديث أن هناك ترابطا بين الأجهزة الاستشعارية الموجودة في الأوعية الدموية والموسيقى، وفي كثير من الاحيان تعمل الموسيقى على رفع هرومون السعادة الدوبامين وتبعث على التفاؤل الأمر الذي يجُدد الأبداع الشخصي لدى كثيرين، وبحسب الجمعية الأميركية للعلاج بالموسيقى، أن الموسيقى استخدمت كعلاج في اليونان القديمة، وتم اعتمادها كبديل علاجي في العصر الحديث، بعد نشر مقال علمي في مجلة كولومبيان عام 1789 بعنوان «الموسيقى فيزيائيا»، الذي كان فاتحة لنمو الأبحاث الطبية في الطبيعة العلاجية للموسيقى.