بركان القرن الأفريقي يثور

آراء 2024/09/18
...

  سناء الوادي

في علوم السياسة من الأجدر بنا دوماً قراءة التاريخ كمفتاحٍ للفهم الشامل والمعمَّق لمجريات الأحداث الحالية، كنت قد تحدثت قبلاً عن إثيوبيا ومسارها التاريخي المتمثل بسياسة استعمارية لمجاوراتها من الدول، فعلى اعتبارها دولةً حبيسةً لا تتمتع بإطلالة بحرية فإنها غالباً ما تلجأ إلى القوة فتراها تكشر عن أنيابها حيناً وتستَّل سيفها حيناً آخر، ولربما من هنا كانت تسميتها بإسرائيل أفريقيا، فها هي كانت محتلة لجارتها أريتيرية حتى نالت استقلالها منها في تسعينيات القرن الماضي، ومن ثمَّ كانت عدائية مع قبائلها المحاذية للسودان، فضلاً عما تفعله في مياه النيل العظيم ببنائها سد النهضة والذي استولت من خلاله على ثلثي مياه هذا النهر، ضاربةً بعرض الحائط حقوق شريكتيها منه مصر والسودان وتشتري عداءهما لها بأيسر الطرق، وما أنْ بدأ هذا العام وهي تحاول جاهدةً استفزاز الصومال محاولة دعم أرض الصومال « صومالي لاند « الجزء المنشق من الصومال والذي يعتبر نفسه دولة مستقلة ويسعى للاعتراف الدولي بذلك، إلا أن كل تلك المحاولات لم يأتِ أُكلها حيث لم تعترف به سوى تايوان وفي ذلك إشكالية أيضاً فالأخيرة لم تعترف بكينونتها كدولة سوى اثنتي عشرة دولة في العالم.
وعليهِ فإن الإعلان عن الاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا في يناير على إنشاء الأخيرة قاعدة عسكرية وميناء تجارية بطول عشرين كيلو مترا على ساحل بربرة الصومالي عند مثلث خليج عدن مقابل حصول أرض الصومال على حصة في الخطوط الجوية الأثيوبية، كان بمثابة ضربة قاتلة في خاصرة الفيدرالية الصومالية، فضلاً عن التهديد الكبير، الذي سيطول شريان الحياة المصري « قناة السويس « ومن هنا كنا نتوقع اشتعالاً للنزاع المسلَّح في القرن الإفريقي منذ بداية هذا العام.
وهذا بالضبط ما يحدث الآن ففي الأسبوعين الماضيين قررت مصر والصومال تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، حيث طلب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بخروج القوات الإثيوبية من الصومال والمتواجدة في إقليم غيدو والتي تنتمي لقوات « أتميس « التابعة لبعثة حفظ النظام الإفريقي، والتي ينتهي موعدها أصولاً بنهاية هذا العام، مستبدلاً إياها بعشرة آلاف جندي مصري سترسلهم القاهرة تباعاً.
 وفي السياق ذاته فإنَّ التوتر في القرن الإفريقي يبلغ ذروته خاصةً مع إعلان آبي أحمد الرئيس الإثيوبي أنَّ صيغة الاتفاقية مع أرض الصومال باتت جاهزة وعليهما الإسراع بالتوقيع عليها وتفعيلها واقعاً، ناهيك عن إعلانها بالسيطرة على ثلاثة مطارات صومالية قطعاً لطريق نقل القوات المصرية إلى مقديشو.
هذا وتعاونت اريتيريا مع الصومال ومصر في ذلك وأعلنت عن إغلاق مجالها الجوي في وجه الطيران الإثيوبي لمحاصرته، وعليه قامت الأخيرة بطلب استخدام مطار بورتسودان السوداني من الحكومة الشرعية، ونحن حتى اللحظة في انتظار الرد.
من المؤكد بأنَّ الصبر المصري بدأ ينفد أمام التمادي الإثيوبي، فهي لن تسمح بأن تتحكم هذه الجارة العدائية بممراتها المائية على الوجهين البحري والنهري خاصةً في خضم علاقات التعاون الاستراتيجية بين إثيوبيا وإسرائيل وما في ذلك من إطباق لفكي الكماشة على الحدود المصرية الشمالية والجنوبية.
كلُّ المؤشرات تدل على أن القرن الإفريقي يقبع على الجمر، الذي ربما سينفجر ناراً لا تُبقي ولا تذرّ على مرأى من العالم العربي والذي من اللافت غيابه، إذ إن الوقوف بوجه المدّ الإثيوبي إلى الفيدرالية الصومالية سيفتح جبهة جديدة للنزاع المسلح في حين أن جبهة الحرب على غزة والضفة لم تغلق حتى الآن وجبهة الحرب الداخلية السودانية على أوجها، فهل ستتحرك جامعة الدول العربية لوأد فتيل الحرب قبل اشتعاله؟
أمَّا على المقلب الآخر فإن الحركات الجهادية المناهضة للحكومة الصومالية، التي أكدت وقوفها إلى جانب الحكومة في رفضها الاستيلاء على مقدرات البلاد، هل ستبقى ساكنة خاصة مع اشتعال إقليم أوغادين الإثيوبي الجنوبي ضد حكومة آبي أحمد، فهل ستبادر هي بزعزعة الداخل الإثيوبي كالقيام بعمليات تفجيرية أو ما شابه، كل ذلك رهين الأيام القادمة ورهين تدخلات الوساطة الحكيمة إذا ما وجدت لكبح جماح إسرائيل إفريقيا وإيقافها عن العبث باستقرار الدول الجيران.

 كاتبة وإعلامية سورية