تنشيط ودعم القطاع الخاص يوفر فرص العمل
فجر محمد
تصوير: احمد جبارة
تنتظر أم ملاك فصل الشتاء كل عام بفارغ الصبر، كي تتمكن من العودة إلى عملها الذي تعيل منه بناتها الثلاث وزوجها المريض، إذ تتوجه إلى محطة تعبئة الوقود القريبة من دارها، وتشتري عربة صغيرة لتضع فيها براميل النفط التي يتم توزيعها وفقاً لبطاقة الوقود التي توزع بين الأسر، وعندما يحل الشتاء تبدأ الرحلة الصعبة لأم ملاك التي لا تمتلك أي راتب أو مورد آخر يمكنها من العيش براحة برفقة بناتها. وليست أم ملاك هي الوحيدة التي تقاسي هكذا ظروف، فمثلها المئات الذين يقاسون ويعانون من ظروف عصيبة فرضها الفقر عليهم.
تعرف الرعاية الاجتماعية بأنها من أبسط نظم الرفاهية، التي يتم اتباعها في أغلب دول العالم المتقدم وبالنسبة للعراق، فإن دائرة الرعاية الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تضع نظاماً معيناً لصرف الرواتب الخاصة بالفئات المستحقة، خصوصاً تلك التي تضررت من العمليات الإرهابية، وما مرت به البلاد من ظروف عصيبة.
وفي حزيران المنصرم أعلنت وزارة العمل عن إطلاق الإعانة الاجتماعية، لأكثر من مليونين و(118) ألف أسرة، ولفت المتحدث الرسمي للوزارة نجم العقابي إلى أن عدد الأسر المشمولة التي يعيلها رجال بلغ أكثر من مليون و(155) ألف أسرة .
كما أعلنت هيئة الحماية الاجتماعية في الوزارة مؤخراً عن العدد الكلي للأفراد المشمولين بنظام يصل إلى 7 ملايين و600 ألف فرد، وهذا الرقم بحسب الحماية الاجتماعية، يشكل ما نسبته 5.6بالمئة من مجموع عدد سكان العراق الذي يتجاوز الـ 43 مليون نسمة.
ظروفٌ صعبة
كان راتب الرعاية الاجتماعية يساعد أم ملاك كثيراً، ويعينها على إعالة بناتها، خصوصاً مع تدهور صحة زوجها ومنعه من العمل، لذلك اضطرت تلك السيدة إلى العمل بأصعب المهن، وما زاد الأمر سوءاً هو توقف ذلك الراتب، بسبب التدهور الكبير الذي أصاب صحة أبي ملاك.
تبين الأكاديمية والمختصة بإدارة الأعمال الدكتورة هدى هادي حسن، أن الفقر ظاهرة معقدة ذات أبعاد متعددة اقتصادية واجتماعية، ومفهومه يختلف باختلاف البلدان والثقافات والأزمنة، ولكن من المتفق عليه هو عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة، ومن أهم الاستراتيجيات تحسين إمكانية الحصول على سبل العيش المستدامة وفرص تنظيم المشاريع والموارد الإنتاجية، وإتاحة وتسهيل الحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية للجميع.
المشاريع الصغيرة
بعد أن فقد والده في حادث سير مأساوي، وجد إيهاب حازم نفسه معيلاً لإخوته الثلاثة ووالدته ومع انتظار فرص العمل التي أصبحت شحيحة، لم يجد أمامه طريقاً سوى إنشاء مشروعه الصغير الخاص به وهو بيع الأجهزة الالكترونية والهواتف المحمولة، إذ استغل تحصيله الدراسي في الحاسوب من أجل أن ينجح مشروعه هذا.
تشير الدراسات الاقتصادية إلى أهمية المشاريع الصغيرة على اختلاف أنواعها، في تقليل نسبة الفقر ودعم الاقتصاد الوطني المحلي في آن واحد، فهي تقلل من البطالة إلى حد ما وتوفر المزيد من فرص العمل للشباب والخريجين، كما أنها في بعض الأحيان تحسن من المنافسة المحلية التي تحدث بين تلك الصناعات الصغيرة، كما أنها تطور من قدرات ومهارات الشباب وتمنحهم الخبرة الكافية لإدارة تلك المشاريع بنجاح ورصانة.
في وقت سابق أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن تشجيعه ودعمه للمشاريع الصغيرة، بعد أن تم إبرام اتفاقية بين العراق واليابان لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في البلاد، وهذا من شأنه أن يحسن ويطور الصناعات الوطنية.
آفة عالميَّة
من المهم الإشارة إلى أن آفة الفقر ليست مشكلة محلية فقط، بل عالمية، إذ بينت الأمم المتحدة أن نسبته تزايدت بشكل واضح في العام 2020، وعلى وجه الخصوص عندما اجتاحت جائحة كورونا العالم وتسببت بفقدان الكثير من فرص العمل، وزادت البطالة بشكل ملحوظ في دول العالم المختلفة.
وأطلق العراق استراتيجيته في مكافحة الفقر منذ العام 2010، وكانت تهدف إلى خفض نسبة تلك الآفة إلى 16بالمئة وعلى الرغم من صعوبتها، إلا أن القائمين عليها والمنفذين والشركاء تمكنوا من إنجاز ما يصل إلى 50 بالمئة من نشاطات تلك الاستراتيجية، لكن الظروف العصيبة والنزوح وهجوم داعش أدت إلى رفع نسبة الفقر من جديد، لكن الجهات الحكومية عادت مؤخراً إلى تطبيق وتنفيذ استراتيجيات مهمة لتحقيق الهدف المنشود، والتقليل من تلك الفاقة التي عصفت بالكثيرين، ومن تلك الاستراتيجيات رواتب الحماية الاجتماعية والقروض الداعمة للمشاريع والصناعات الصغيرة.
صناعات مهمة
تنتشر العديد من الصناعات في دول العالم المختلفة، وتستقطب أعداداً كبيرة من العاملين فيها، ما يقلل من البطالة ويوفر فرصاً متنوعة، ومنها تلك التي تعرف بالصغيرة كالنجارة والحدادة والأعمال اليدوية، ومن المعروف أنه في كل بلدان العالم هناك مصادر متنوعة ترفد الاقتصاد المحلي، وتعمل على تطويره وتنميته ويعد العراق من البلدان التي لطالما كانت متميزة ولها دور كبير في مختلف الصناعات، ويشار إلى أن تلك القطاعات الصغيرة من شأنها أن تسهم بتقليل نسبة البطالة إلى حد ما.
ومؤخراً وجه رئيس مجلس الوزراء بدعم الصناعات الصغيرة، خاصة أن العراق يمتلك فرصة حقيقية لحيازة صناعة متقدمة وناجحة اقتصادياً، لا سيما مع وجود موارد بشرية متميزة وحاجة محلية مستمرة ووفرة المواد الأولية على حد قول السوداني.
ينوه الأكاديمي والباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور ليث علي بأن الفقر من أهم المشكلات التي تواجه المجتمعات الإنسانية. ويعد القضاء عليه الهدف الأول الذي اضطلعت به الأمم المتحدة في برامج التنمية المستدامة، وهو يشكل أولوية ملحة.
بنى تحتيَّة
ويعتقد الأكاديمي الدكتور ليث علي، أن الفقر يرتبط بعوامل عديدة، إضافة إلى الدخل أو الموارد منها الجوع وسوء التغذية، فضلا ًعن خدمات الصحة والتعليم والحصول على المياه والنقل وخدمات البنى التحتية. موضحاً أن الفقر يتناسب مع الاقتصاد بعلاقة عكسية فكلما نما الاقتصاد انخفض الفقر وكلما تباطأ النمو بالاقتصاد كلما زاد الأخير.
كما تسهم البطالة في ازدياد معدلات الفقر، لأن ازدياد فرص العمل في قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات، نتيجة لنمو الاقتصاد سيسهم بالحد من الفقر لأنه يعني وجود دخل شخصي يكفي الفرد، في حين تسهم عدم المساواة في توزيع الدخل في زيادة الفوارق الطبقية في المجتمع، والذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع معدل الفقر نتيجة لذلك التباين وبامكان الجهات المختصة أن تحد من هذه المشكلة الحقيقية باتباع استراتيجيات مختلفة، منها المستويات المرتبطة بالاقتصاد مثل تطوير الصناعة والنهوض بالواقع الزراعي، وتقديم الخدمات الأساسية والبنى التحتية والحماية الاجتماعية، إلا أن أكثر الاستراتيجيات نجاحاً هي تلك التي توفر فرص العمل التي تسهم في ارتفاع الدخل الفردي، مروراً بالقضاء على البطالة، وكذلك بالإمكان تطبيق مجموعة من الأفكار منها العمل على الاستثمار الأمثل للموارد، بما يحقق الاستفادة العامة وكذلك تنشيط ودعم القطاع الخاص وتقليل اعتماد الأفراد على الوظائف الحكومية، والعمل على القضاء على الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة، وبالأخص الرشوة، فضلاً عن المساواة
في توزيع الدخل خصوصاً
للطبقات ذات الدخل المتدني، مع فرض ضرائب تتناسب مع دخل المواطن.