كلمات.. بمذاق اللكمات

الرياضة 2024/09/23
...

علي رياح         



يمكن للإعلامي، في مواجهة حرائق الخلاف، أن يحمل المِطفأة، لكنه يختار في كثير من الأحيان صفيحة البنزين مدفوعاً بالرغبة في الانتشار حتى لو كان ذلك نتيجة لنشر النار في الهشيم الصحافة الرياضية بل الإعلام في شقّه الرياضي، وسيلة إيجابية لإنارة الزوايا المظلمة وهو ما اعتدنا عليه في كثير من عقود العمل الرياضي في العراق تحديداً، لكن (المنهج) الآن لدى البعض بات يدور حول السؤال: كم من الناس تتابع وتقرأ وتشاهد بصرف النظر عن المضمون، وبغض النظر عن الهدف الأساس الذي ينبغي لأية وسيلة إعلامية أن تمارسه وهو تسليط الضوء على المشكلة والعمل على إيجاد الحلول لها بكل الصبر والمثابرة وبكل القدرة على الإقناع والحرص على تلاقي الأضداد كنت قبل أيام في حوار مع العديد من زملاء المهنة وطالبت بألا يكون كل ما يطرح هو المُشكلات، وإنما يجب العمل على إيجاد مساحة ضمن هذا التخاطب الصاخب، يتولّى فيها الإعلام مهمة التثقيف في قضايا الرياضة التي تُبدي جانباً من الوجه الإيجابي للمشهد كما أنها تقدم المتعة والثقافة للمشاهد، وقلت لهم: أدركُ أن الأمر صعب الآن في خضم السباق نحو نسب المشاهدة العالية، ولكن دعونا نجرّب في الموسم الكروي 1978 - 1979 وأمام أكثر من ثلاثين ألف متفرج سجّل النجم جليل حنون للميناء وقد كان في علياء شأنه، هدفاً على الشرطة في واحدة من قِمم أيام زمان، فما كان من الجنرال دوكلص عزيز إلا الرد بهدف من كرة صاروخية سددها من مسافة 30 متراً استقرت في أعلى يمين الحارس البصري مُحرزاً هدف التعادل..  فرح جمهور الشرطة بالهدف ونسي أنه خرج متعادلاً، فقد كان هدفاً لا يمكن أن يصوغه إلا نجم فريد من طراز دوكلص عزيز.. وبعد يومين وفي إطلالته الأسبوعية (الرياضة في أسبوع) أشاد الراحل الأستاذ مؤيد البدري بالهدف وكاد يتغزل به ثم قال: ولكن للبرنامج رأي آخر، هذا الهدف ليس شرعياً فلقد كانت الكرة من ركلة حرة غير مباشرة وقد ذهبت إلى الشباك من دون أن يمسسها أحد.. وقد فات هذا على حكم المباراة صبحي أديب.. نسي الناس الهدف وروعته ثم راحوا يتغنّون ببراعة الإعلامي الذي يلتقط بألمعية ولمّاحيّة وينقل الحقيقة ويصحح الأخطاء من دون أن يقيم الدنيا ولا يقعدها، يمكن أن يؤدي الصحفي، والإعلامي في النطاق الأوسع، دوراً مماثلاً كلما كان هذا ممكناً، وقد كانت للكثير من الزملاء اجتهادات رائعة على هذا الطريق..  في الموسم الكروي 1995-1996، جاءني أحد الزملاء في الصحيفة يحمل وصفاً لنهائي الكأس بين الشرطة والزوراء وفيه اتهام شديد للحكم الدولي فلاح منفي بأنه احتسب ركلة جزاء غير صحيحة للزوراء الذي أحرز اللقب في خاتمة المطاف.. قلت له: وجهة نظري مختلفة معك.. أرى أن هنالك حالة إعثار ربما تستدعي أو لا تستدعي الاحتساب من قبل حارس الشرطة عماد هاشم أمام لاعب الزوراء نزار علي.. الحقيقة أنا عندي شك في ما تقول. اضطررت إلى البقاء حتى ساعة متأخرة من الليل بانتظار برنامج (الرياضة اليوم) وقد أظهرت كاميرا محمولة لمصور يقف خلف مرمى الشرطة أن هنالك إعثاراً، وهكذا تبنـّيت أنا شخصياً موقف الحكم فلاح منفي ونقلتُ تصريحه كاملاً تحت عنوان: الكاميرا المحمولة حرّرت رقبتي من خمسين ألف اتهام. في حزيران من عام 2001 نشبت أعمال شغب غير مسبوقة لا عهد للملاعب العراقية بها خلال مباراة الزوراء مع النجف في ملعب الأول.. نزل الجمهور إلى أرض الملعب وحدثت مواجهات شديدة بين أحمد عباس أمين سر اتحاد الكرة والمدرب ناجح حمود واشتبك الكثيرون مع بعضهم على خلفية احتساب الحكم الدولي حازم حسين ركلة جزاء (جدلية) وكان بسببها معرّضاً للذهاب إلى معسكر الضبط لولا أن المصور الذي يعمل معي كان قريباً جداً من الحالة وقد رصدها بشكل كامل، وكان هذا وحده سبباً لئلا يزور هذا الحكم (منتجع الرضوانية). (المعالجة) على أعمدة الصحف أو على الشاشة يمكن أن تكون بلسماً وحُكماً عادلاً، بشرط ألا تكون الكلمات فيها بمذاق وفعل اللكمات.