عندما يكون القضاء مستقلاً

الصفحة الاخيرة 2024/09/24
...

د. علاء هادي الحطاب

احتاجت وتحتاج دائما أي مجموعة بشريَّة في اطار علاقاتها الاجتماعيَّة إلى مرجعية تعالج ما يختلفون فيه من مستجدات الأمور، لأن الإنسان بطبعه ميال إلى النفوذ والاستحواذ والطمع والانانية ولو على حساب الآخرين لو ترك الأمر له، وهكذا عرفت المجتمعات قديمها وحديثها أنواعا متعددة من الخلافات الإنسانيَّة خلال مسيرة تعايشهم الذي لم يكن سليما إلا بوجود ضابطة معينة تحدد مسؤولية وواجبات وحقوق كل منهم، ووجود حَكم يحكم في المنازعات الناشئة،  لذا كان وجود القضاء والمحاكمات على مر العصور وحدة قياس مقبولة لفضّ النزاعات، وهناك مثل يُعرف في هذا الاتجاه " أن من يخرج من القاضي أحدهما فرح والآخر غضب وحزين، أحدهما راضٍ والآخر خلاف ذلك"، فمهمة القاضي ليست التسوية بقدر تحقيق العدالة، ولو كانت هذه العدالة تستهدف ذوي النفوذ والمال والسلطة.
لذلك ارتبط استقلال القضاء بمبدأ الفصل بين السلطات الذي يضمن الفصل بين سلطات الدولة الثلاث " التنفيذيَّة – التشريعيَّة – القضائيَّة " ومنع تغول احداهما على الأخرى ووفق ضوابط وولاية محددة في الدستور لكل سلطة، ويستهدف استقلال القضاء تعزيز قدرته الحرّة غير المقيدة على ضمان تطبيق العدالة ومنع التجاوزات التي تضر بالحقوق والحريات في المجتمع.
فلا خيار أمام أي أمة اذا أرادت أن تحيا بعدالة وسلام إلا أن تدعم قضاءها، وتوفر له ممكنات ذلك، كذلك لا خيار بعدالة اجتماعية ما لم يكن هذا القضاء قويا فاعلا ومستقلا عن سلطات تملك المال والسلاح والنفوذ، فهناك شرطان أحدهما يكمل الآخر، الأول يتمثل في قوة وفاعلية واستقلالية القضاء، والثاني يستلزم قبول المجتمع بكل قطاعاته السياسيَّة والاجتماعيَّة والعشائريّة وغيرها بحكم القضاء واللجوء إليه كوحدة قياس لتحقيق العدالة بين المختلفين.