وظائف القطاع الخاص بلا ضمانات

ريبورتاج 2024/09/29
...

  بشير خزعل

  تصوير: نهاد العزاوي

حسب بعض الإحصائيات المعتمدة، وفي العام 2030 تحديداً، ستبلغ نسبة الفتوة والشباب في العراق 16,4 مليون نسمة، أي ما يقارب 31 % من إجمالي السكان، هذه المؤشرات تثير المخاوف مع استمرار تفشي البطالة والهوة الكبيرة بين سوق العمل والطلب على الأيدي العاملة، وخصوصاً الفنية والتقنية والإدارية ومجالات أخرى كثيرة، ارتفاع معدل البطالة بين أوساط الشباب من خريجي الجامعات وحملة الشهادات وغيرهم من الفنيين والإداريين وأصحاب الاختصاصات الأخرى، في وقت تتوافد فيه مئات الآلاف من الأيدي العاملة الأجنبية للعراق، كلها أمور زادت من حجم ظاهرة البطالة في أغلب المدن والمحافظات بشكل تصاعدي، مع عدم توافر حلول جذرية وواقعية تحد من حجم المشكلة الآخذ بالتوسع.

سعة الاستيعاب

 آخر الإحصائيات تشير إلى أن العاصمة بغداد لوحدها تصل نسبة البطالة فيها إلى 9.3 % تليها محافظة الأنبار بنسبة 32.4 %، ثم محافظة دهوك بنسبة 

26.4 % ، ومحافظة ميسان بنسبة

 20.4 %، بينما تعد أقل نسبة للبطالة في العراق في محافظة كركوك بنسبة

 6.3 % تليها محافظة كربلاء بنسبة 6.7 %، ثم محافظة البصرة بنسبة

 7.6 %. أما نسبة البطالة في محافظات كردستان فبلغت 17.4 %. هذه الإحصائية تعود لأربع سنوات مضت، فلم تكن هناك إحصائيات دقيقة أو جديدة من قبل وزارة التخطيط بعد ذلك التاريخ، يقول الباحث الاقتصادي حسن الجنابي: إن نتائج ظاهرة البطالة تختلف وتتنوع في مجالات مختلفة، كالتعليم والصحة والسكن، والأبرز منها هي مسألة الخريجين، وسوق العمل التي لا تتسع للجميع أو في مؤسسات الدولة التي أصبحت متخمة وتحتوي على بطالة مقنعة أكثر مما هي منتجة.


تخطيط   

سنوياً يتخرج ما بين  160 إلى 170 ألف شاب وشابة في الجامعات والمعاهد العراقية من دون أن يتم تعيينهم أو يحصلوا على فرص للعمل، ووفقاً لإحصاء لجنة العمل والشؤون الاجتماعية النيابية، فقد وصل عدد العاطلين عن العمل في العراق إلى نسب كبيرة في أغلب المحافظات.

وحسب إحصاء للبنك الدولي في  سنة 2022، فقد بلغت نسبة البطالة في العراق أعلى مستوياتها منذ 30 عاماً، ويشير البنك الدولي إلى وقوع الضرر الأكبر على الاقتصاد العراقي بسببها حيث وصلت نسبة البطالة بينهم إلى 36 %، وليس لدى وزارة التخطيط أي خطة جديدة في هذا المجال.


الخريجون

حسين صاحب (30 عاماً)، أوضح: تخرجت في الجامعة منذ أكثر من 8 سنوات ولم أحصل على أي وظيفة في مجال تخصصي بالإدارة والاقتصاد، وأنا لست الوحيد بين زملائي، بل يوجد منهم المئات،  فبرامج الحكومات السابقة لم تستطع أن تجد حلاً، للمشكلة التي نعاني منها، وأصبح مصيرنا مجهولاً، فلا نستطيع الزواج  ولا نستطيع أن نفكر في تكوين أسرة، والمتوافر من أعمال حرة لا يؤمن العيش بشكل مضمون.

أما دريد علي جامن  (28 عاماً) وهو الآخر أحد العاطلين عن العمل، ومتزوج وله طفلان فقال: لا توجد سوق عمل واضحة لها ضوابط وقوانين تؤمن وضع العمالة العراقية، ونضطر للعمل حسب الثقة والمعارف، ومصيرنا يخضع لمزاجية صاحب المعمل أو الورشة أو أي مجال آخر نبحث فيه عن لقمة العيش، الشهادة الجامعية لم تعد تجدي نفعاً في شيء بل كانت مجرد مضيعة للوقت من أجل لا شيء.

وأضاف جامن: ماذا جنيت من حصولي على شهادة البكالوريوس في العلوم الحياتية؟، لا شيء، وأنا أعمل في ورشة للنجارة بأجر يومي غير ثابت.


حلول 

في ظل  الحكومات السابقة بعد 2003 تفاقمت مشكلة البطالة بالرغم من الأعداد الكبيرة التي تم توظيفها في دوائر الدولة ومؤسساتها، يقول المستشار الاقتصادي محمد العنبكي: مؤسسات الدولة لا يمكن لها أن تستوعب جميع فئات الشباب من الخريجين أو سواهم من أصحاب المهن التقنية والفنية، وهذه المشكلة واجهت دولاً كثيرة، استطاعت تخطي الأزمة من خلال اعتمادها على الاستثمار في القطاع الخاص.

وأضاف العنبكي: حسب إحصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فإن معدلات البطالة في العراق بلغت مليوناً و 200 ألف عاطل عن العمل، والكثير منهم من حملة الشهادات الجامعية، وقد ازدادت البطالة بسبب تعطل القطاع الخاص وترهل القطاع العام بمئات الآلاف من الموظفين، وغياب المعالجات والحلول لهذه الظاهرة التي تتوسع يوماً بعد آخر.


عرض وطول 

بينما بيّن الباحث الاقتصادي علي حسن البنا: أن المشكلة الأساسية للشباب العراقيين هي البطالة وأثرها الاجتماعي السلبي في الحياة اليومية، فلو كانت سوق العمل متاحة في مؤسسات القطاع العام والخاص، وقادرة على استيعاب الخريجين وباقي الفئات العمرية من غير الخريجين، لاختلف الوضع الاقتصادي بشكل جذري، وانعكس ذلك إيجاباً على الوضع الاجتماعي والأمني بشكل كبير، إن استمرار المشكلة بلا تخطيط  استراتيجي طويل الأمد لن يكون نافعاً بأي شكل من الأشكال، وسيظل الاقتصاد متأرجحاً بين خطوط عرض وطول في مديات الفقر وانعدام الخدمات وسوء الوضع المعاشي لفئات واسعة من الشعب.

وأضاف البنا: بعكس معظم بلدان العالم فإن وظائف القطاع الخاص في العراق تفقد جاذبيتها بالنسبة لمعظم الشباب، حيث تعاني من تدني الرواتب والمخصصات، بالإضافة إلى انعدام شبه كامل لحقوق الموظف في حالات الفصل التعسفي، وفقدانه حق الحصول على التقاعد بعد بلوغه السن القانونية، لذا يسعى العراقيون إلى الحصول على فرصة تعيين حكومية وإن كانت براتب ضئيل ويفضلونها على وظائف القطاع الخاص لأنها بلا مستقبل.


هدوء

الدكتور عبد الرحمن الشمري، أستاذ علم النفس في جامعة بغداد: أكد أن الاستقرار المعيشي في المجتمع يولد حالة من الهدوء والاستقرار، ويسهم في خلق بيئة مستقرة اجتماعياً لا تشوبها المنغصات والضغوطات التي تؤدي إلى حدوث ظواهر وحالات غريبة على المجتمع، مثل تعاطي المخدرات أو المتاجرة بها، وازدياد حالات العنف الأسري وتزايد معدل الجريمة. وأضاف الشمري: أن خلق فرص العمل الحقيقية للشباب سواء كانوا خريجي الجامعات أو من غير المتعلمين، من أهم القواعد الأساسية في بناء مجتمع مستقر، وبعيد عن الانخراط في ظواهر الفوضى وتموجات الأحداث والتظاهرات المستمرة، فلا يمكن بناء مجتمع ودولة مع بطالة تتفاقم وتتسع عاماً بعد عام. 


هجرة 

إن عدم توافر فرص العمل أدى إلى هجرة الكثير من الشباب أو أصحاب الخبرات الفنية والصحية والتعليمية إلى خارج البلاد، حتى بلغ عدد العراقيين المقيمين في الخارج، وفقاً لآخر تقدير أربعة ملايين شخص، ونسبة كبيرة من هؤلاء هم من الباحثين عن فرص عمل وحياة أفضل، ويضطر بعض العراقيين المهاجرين إلى العمل في مهن متواضعة في الدول التي يقيمون فيها، من أجل توفير نفقاتهم وأسرهم.


المشروع الوطني

من ضمن الإصلاحات التي تحاول الحكومات السابقة والحالية أن تجد من خلالها حلاً لمشكلة البطالة هوالمشروع الوطني لتشغيل الشباب من خلال منحهم قروضاً ميسرة لتأسيس مشاريع متوسطة، وقد باشرت بتنفيذه في بعض المحافظات مثل (ذي قار، والديوانية، والأنبار، والنجف الأشرف)، بموجب المشروع يمنح البنك المركزي قرضاً لكل عضو في المشروع يتراوح بين (35 -50 مليون دينار) وفقاً لدراسة الجدوى على أن يكون القرض بضمانة شركة مطورة، تشرف على المشروع وتهيئته وإيجاد  السبل الصحيحة لإنجاحه وتطويره، وصولاً إلى استرجاع رأس المال خلال مدة (4 – 5) سنوات وبذلك يكون مشروعاً ناجحاً، وفقاً للمعايير المصرفية، وينطلق المشروع من رؤية تنص على "خلق قطاع خاص منظم بفرص واعدة للشباب"، ورسالته هي "تنظيم العمالة والاقتصاد عبر خلق وتطوير المشاريع المتوسطة"، وأهدافه هي معالجة مشكلة البطالة عن طريق إقامة المشاريع المتوسطة، وتنظيم الحرفيين في مناطق تنموية، وتأهيل القطاع الخاص من خلال تنشيط المجتمع بالعمل الجماعي وتطوير قدرات العاملين، ويندرج المشروع ضمن عنوان المشاريع المتوسطة الاستثمارية، وفقاً لقانون الاستثمار العراقي رقم 13، ويتضمن هذا القانون (منح قطعة أرض و إعفاء ضريبي لمدة عشر سنوات وإعفاء جمركي) للمستفيد منه. و يتاح المشروع  لـ (10) من الشباب كحد أدنى للمشروع الواحد، ممن أكملوا  الثامنة عشرة من العمر ومن غير الموظفين أو المتقاعدين.