دعد ديب
رغم القالب الدرامي والكوميدي ذي الإيقاع السريع للفيلم الهوليوودي إيزرا "EZRA" من إخراج توني غولدوين والذي طرح على شاشات العرض عام 2023 وتم عرضه في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي في أيلول 2024، لكنه يتناول موضوعاً حساساً ألا وهو مرض التوحد الذي يعاني منه عدد من الأطفال في مختلف أنحاء العالم.
ربما كان التوحد حالة خاصة ينشأ بها الطفل بسويات ذكاء ومهارات غير مسبوقة للعديد من المصابين. يعرض الفيلم حالة الولد إيزرا (ويليام فيتزجيرالد) الذي يعاني من متلازمة أسبرجر، وهي حالة من حالات التوحد، تتجلى باضطراب في النمو العصبي وصعوبة بالتواصل الاجتماعي، وعمره حالياً إحدى عشرة سنة، وايزرا لم يتكلم طوال سنين عدة سوى همهمات وغمغمات غير مفهومة، ولكنه بعدها طفق يتكلم ولم يعد يصمت قط، وهذا التعريف يتم على لسان الأب ماكس (بوبي كانافال) وهو يقدم فقرات ترفيهية، ويستعرض بعضاً من حالات ابنه باعتباره ملهمه الروحي. وهذا أول ظهور سينمائي للولد (فيتزجيرالد) الذي يعاني كذلك من التوحد، كما أن كاتب السيناريو "توني سيريداكيس" والممثل المخضرم "روبرت دي نيرو" كلاهما لديهما ولد متوحد، لذا كان حماسهما كبيراً لإنتاج هذا الفيلم، إذ ينبع من معاناة خاصة من تجربتهما الشخصية، لذا جاء الفيلم مقنعاً بشكل كبير، خاصة مع الاستفادة من اللقطات المقربة للكاميرا المحمولة باليد للمصور السينمائي داني مودر.
يحكي الفيلم عن زوجين، ماكس وجينا (روز بيرن)، وهما منفصلان ومختلفان بالرأي حول أسلوب التعامل مع الابن إيزرا، السلوك الأحمق لدى الأب ينم عن عاطفة جياشة ورؤية مختلفة، لأسلوب التعاطي مع حالته تتضمن محاولة دمجه مع المجتمع والحياة، لا إقصاؤه عنها، أي لا يريد التعامل معه كحالة خاصة، بينما الأم جينا ترى أن الطفل يجب أن يوضع في مدرسة خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يتلقى تعاملاً خاصاً وأدوية وعقاقير يقوم بوصفها أطباء مختصون وزاد من تمسكها برأيها قيام الولد بالهروب من المنزل وتعرضه لحادثة اصطدام بإحدى السيارات المارة، ما عدوه تصرفاً غير سوي ومحاولة انتحار، فالولد لم يقل لأحد أن سلوكه نتج عن سماعه لصديق أمه، الذي ينوي التخلص من والده لسبب ما، أما الأب فهو يرى أن تلك الأدوية ستعطل مخزونه الحيوي من النشاط والحركة والتفهم للكثير من الأمور، ولكن تسرعه وتهوره يفضي إلى تفرد الأم بالقرار المدعم بحكم محكمة، وتقرر إيداعه بالمدرسة الخاصة، الأمر الذي جعل والده يقوم بخطفه، عبر سلسلة من المغامرات والمفارقات التي تثير الضحك وحس المغامرة، والتوجس والرعب الذي يصيب الأم جينا لخوفها على ولدها، من تهور أبيه الفاشل في عمله وتخوفها أن يتسبب للولد بمشكلات صحية مضاعفة.
يصم الأب ستان(روبرت دي نيرو) أذنيه عن سماع شكوى الأم، رغم رجمها نافذته بالحجارة، ولكنه بعد ذلك يذهب ليرافقها في دوامة البحث عن الابن والأب بعد بلاغها الشرطة بقيام الأب بخطف الطفل.
أثناء ذلك يستعرض الفيلم تاريخ الجد مع ابنه وزوجته والأخطاء التربوية التي مر بها وهو الذي يعاني من عقدة الذنب لعدم تصرفه بشكل جيد مع ابنه ماكس في زمن ما وفي رحلة الهروب تتباين المفارقات بين الدعابة والتوتر والقلق، كونهما مطاردين من الأم والشرطة معاً، وتنشأ حوارات عميقة بين الأب والولد أثناء الطريق بعلاقة متبادلة التأثير بينهما، وبكلمات موجزة تتضح ماهية العلاقة بينهما، الأب ماكس في خضم هروبه بابنه عبر محطتين يمر بهما يأتيه عرض مميز للعمل باعتباره ممثلاً مع شخصية شهيرة ولكن الحوار الأجمل الذي دار بينهما عندما يقول له ماكس: مهمة الأب أن يأخذ ابنه إلى الميدان، أي ميدان وليكن كرة القدم مثلاً، وهذا يتطلب منه أن ينزل بنفسه إلى الميدان ولكن إن أوقفوه قبل أن يسدد هدفاً ..هل تنتهي المباراة؟. لكنها لا تنتهي، فكل ما يريده الأب أن يلتقط الولد الكرة ويكمل الدرب.
وعندما يصل مع ابنه إلى العرض الفني خاصته وهو فرصته الكبيرة لإثبات وجوده في العمل بعد فشله المتكرر، يصل طاقم الشرطة للقبض عليه بتهمة خطف الولد وتصل زوجته مع أبيه وهنا تقترب الأم مبعدة الشرطة ورافضة أن يتم القبض على ابنها بشكل عنيف، لتؤكد أنهم أسرة، الأب والأم والجد والولد، وهنا يعاود الولد حوارهما السابق "أبي لقد أوقفوك أنقل الكرة إلي" مختزلًا استيعابًا عميقاً وفطنة نادرة وذكاءً ملحوظاً وعبارة عمقت فكرة والده لدى المحيط من الأم للشرطة للجد الذي أكبر فيه استماتته في السعي للأفضل تجاه ابنه، وإن كان يرتكب الأخطاء فهو أمر طبيعي فأي إنسان يمكن أن يقع بالخطأ، وكما يدعم الأب ابنه من الوارد أن يثبت الابن أباه، كلاهما يخطئ وكلاهما يحتاج إلى
الآخر.