بوابة براندنبورغ شاهدةٌ على تقلّبات الزمن

فلكلور 2024/10/01
...

 باريس: عامر الموسوي  


تقف بوابة براندنبورغ شامخة في قلب برلين، تتحدى الزمن بصلابتها، وتحكي قصصاً من التاريخ تتعاقب عليها الأجيال. ليست مجرد بوابة؛ إنها رمز للوحدة والانقسام، للسلام والحرب، للفرح والحزن. تحت ظلال أعمدتها الستة عشر، وتحت حراسة تمثال كوادريغا الذي يعلوها، شهدت البوابة أحداثاً غيرت مجرى التاريخ، تاركة بصماتها على حجرها الصامد. في أواخر القرن الثامن عشر، أمر الملك فريدريش فيلهلم الثاني ببناء هذه البوابة كرمز للسلام. صممها المهندس كارل غوتهارد لانغهانس متأثراً بالعمارة الإغريقية الكلاسيكية، لتعبر عن العظمة والهدوء. في عام 1791، اكتمل بناء البوابة، واعتبرت مدخلاً ملكياً إلى المدينة، ومعبرًا للموكب المهيب في الاحتفالات الرسمية، في العام 1806، اقتحمت جيوش نابليون برلين. دخل الإمبراطور الفرنسي المدينة عبر بوابة براندنبورغ، في استعراض لقوته. لم يكتفِ نابليون بذلك؛ بل أخذ معه تمثال كوادريغا كغنيمة حرب إلى باريس. لقد كان هذا الفعل إهانة لألمانيا، لكن بعد هزيمة نابليون، أعيد التمثال إلى مكانه، ليرمز إلى استعادة الكرامة والانتصار.مع بداية القرن العشرين، تعرضت برلين لأحداث مأساوية جراء الحربين العالميتين. وفي الحرب العالمية الثانية، تعرضت بوابة براندنبورغ لأضرار جسيمة، لكنها صمدت، كرمز للبقاء والاستمرار، بعد الحرب، انقسمت برلين إلى شطرين: شرقي وغربي. في عام 1961، بني جدار برلين الذي قسم المدينة إلى نصفين، وأصبحت بوابة براندنبورغ جزءاً من هذا الجدار المقيت، ومنطقة محظورة. كانت البوابة شاهدة على الألم والفراق، حيث لا يستطيع الألمان من الشطرين العبور إليها. كانت رمزاً للانقسام السياسي والجغرافي بين الشرق والغرب، وفي مساء يوم التاسع من نوفمبر 1989، حدث ما لم يكن في الحسبان. أعلن عن فتح الحدود بين الشطرين، وتدفق الألمان من كل جانب نحو بوابة براندنبورغ، حيث تعانقوا واحتفلوا بسقوط الجدار. كانت لحظة تاريخية، حيث عادت البوابة لتكون رمزاً للوحدة والأمل والتآلف بين الشعب الألماني.

اليوم، تحتضن بوابة براندنبورغ الفعاليات الثقافية والسياسية والاجتماعية. تتزين بالأضواء في الأعياد والمناسبات الوطنية، وتستضيف الحفلات الموسيقية والمهرجانات، لتعبر عن الروح الحيوية لبرلين، في كل عام، يقصدها الملايين من الزوار من مختلف أنحاء العالم، ليشهدوا عظمة هذا المعلم التاريخي، وليستشعروا الثقل الذي تحمله حجارتها، والحكايات التي ترويها أعمدتها،تظل بوابة براندنبورغ شاهدة على التاريخ، ليست مجرد بناء صامد، بل رمز حي للتغيرات والتحولات، تذكرنا دائماً بأن الوحدة والأمل يمكن أن ينبعثا من قلب الانقسام واليأس. إنها تجسد القوة والصمود، وتعبر عن الروح الألمانية التي لا تنكسر، مهما كانت

الظروف.