كامل أحمد
ترجمة: أنيس الصفار
بعد ليلة قضتها ترتعش خوفاً والسقف فوق رأسها يهتز بلا توقف من وقع القصف وشدة الانفجارات، وبعد مسيرة طويلة عبر الطريق المزدحم بالحطام والركام، وصلت ديانا محمود الى المستشفى حيث وضعت مولودها الذكر الذي أسمته يمن.اكتشفت ديانا، وعمرها 22 عاماً، حملها بعد اسبوع من اندلاع الحرب في غزة، لذا أمضت فترة الحمل بأكملها، مثل سائر الامهات الأخريات اللائي حملن خلال تلك الفترة، تحت خوف مستمر على سلامتها وجنينها. فاحتمالات الإجهاض غدت اليوم أعلى بثلاثة اضعاف مقارنة بفترة ما قبل الحرب، وفقاً لتقرير “مدرسة لندن للصحة وطب المناطق الاستوائية” و”مركز جونز هوبكنز للصحة البشرية”.
تقول ديانا: “لم يكن الأمر ليوم او يومين.. بل استمر تسعة اشهر. ومع كل يوم كنا نموت مليون مرة بسبب القصف والدمار.”
تقدر الأمم المتحدة ان اكثر من 13 ألف امرأة سيضعن حملهن خلال الشهر المقبل في غزة حيث تواجه النساء، إلى جانب القلق على السلامة، صراعات حقيقية جراء اضطرارهن للنزوح المستمر والبحث الدائم عن الطعام والدواء، وتفيد تقارير الأمم المتحدة أن 95 بالمئة من الحوامل لا يجدن كفايتهن من الطعام.التدمير الذي لحق بنظام الرعاية الصحية في غزة كان معناه أن لا تنال ديانا الرعاية الصحية المطلوبة قبل الولادة خلال فترة حملها، ومن بعد ذلك خروجها من المستشفى المكتظ بما يفوق طاقته بعد ولادة الطفل مباشرة.
تقول ديانا: “وضع المستشفيات سيئ للغاية، ففي كل لحظة يستهدف موقع او منزل قريب، لذا كان من الصعب على المستشفيات توفير الرعاية للحوامل نظراً لانصراف التركيز كلياً الى اسعاف الجرحى.”
ثم اضطرت ديانا لطلب المساعدة الطبية مرة اخرى عندما بدأ جلد طفلها “يمن” يتحول الى اللون الازرق. بعدئذ، وخلال فترة مكوثه في مستشفى الأقصى، توقف قلبه لفترة قصيرة وقال الأطباء إنه يعاني من مشكلة في الدورة الدموية ربما ستؤثر في دماغه، ولكن بعد عشرة أيام من المراقبة والفحوص أخرج من المستشفى وأعلن الأطباء أنه بصحة جيدة.
تتحدث منظمة “انقذوا الاطفال” عن ولادة 50 ألف طفل في غزة خلال الأشهر المنصرمة، وأن تكرر عمليات النزوح فرض على بعض النساء محاولة تحفيز أنفسهن على الولادة ذاتياً خوفاً من أن يداهمهن المخاض وهن في حال تنقل وعدم استقرار.
بلا نظام صحي أو مستشفيات
أدى العدوان الصهيوني على غزة، الذي شمل الاغارة على المستشفيات، الى تدمير النظام الصحي بحيث لم تعد هناك سوى قلة قليلة جداً من المستشفيات العاملة – وحتى هذه المتبقية تعاني من نقص الوقود والمواد الطبية. فمن بين مستشفيات غزة الستة والثلاثين لم يعد هناك سوى 13 مستشفى يعمل بشكل جزئي، وثلاثة مستشفيات فقط تقدم الرعاية لما يقدر بنحو 180 امرأة يومياً في حالة وضع، وعادة ما تلد النساء اطفالهن داخل الخيام. تعمل “مادلين مكغيفرن” مستشارة للشؤون الانسانية في منظمة “كير” البريطانية الاستشارية، تقول مكغيفرن: “تضع النساء مواليدهن من دون الاستعانة بأي نوع من المسكنات لتخفيف الألم، ويعشن في خوف دائم، إذ لا تتيسر لهن فرص الوصول الى طبيب أو مؤسسة من مؤسسات الرعاية ما قبل الولادة، دون ان يعلمن إن كنّ سيلدن في خيمة تحت حرارة قيض لا تطاق أم انهن، إذا ما نجحن في الوصول الى المستشفى، سيعرضن انفسهن لخطر الإصابة بقنبلة او برصاص قناص عند الذهاب أو العودة.”كان للصدمة المستمرة وقعها على ياسمين خويطر، حيث أحست بحملها قبل الحرب باسبوعين فقط ثم انجبت ثلاثة توائم في نيسان قبل الموعد المنتظر بشهرين.
حدث الحمل عند ياسمين بطريقة التلقيح الاصطناعي بعد تسع سنوات من محاولة انجاب طفل، ولكنها بدلاً من الفرحة أمضت فترة الحمل وسط قلق دائم من فقدان أطفالها. لم تتمكن من الحصول على الأدوية والخدمات الطبية، التي تحتاج اليها لذا لم تجد امامها بداً من الاعتماد على الطعام المحضر بأساليب غير صحية وهذا تسبب لها بضعف بدني كما تعتقد وسبب لها العديد من المشكلات الصحية.
عندما شعرت بضرورة أخذ علاج لحالتها، توجهت الى المستشفى فوجدته مغلقاً، بسبب افتقاره الى التجهيزات الطبية وانقطاع الكهرباء عنه. عندئذ فرت ياسمين وعائلتها من مدينة غزة الى وسط القطاع، واضطر زوجها الى دفعها على كرسي متحرك، وإن هي إلا اسابيع حتى اضطرت الى الفرار مرة اخرى جنوبا.. الى رفح.
في خيمة مع ثلاثة خدّج
أحالها الاطباء لتلقي العلاج في مصر، ولكن بعد شهر من الانتظار للحصول على موافقة بمغادرة غزة تعرضت المنطقة التي تتواجد فيها ياسمين للقصف، ما أرغم العائلة على الفرار مجدداً الى وسط غزة حيث وضعت مواليدها في المستشفى.
تقول: “لقد رزقني الله بثلاثة توائم، ولد وبنتين، ولكن حالتهم الصحية سيئة لأنهم ولدوا مبكراً.”كانت عملية الولادة صعبة وعانت ياسمين من نزف اثناء اجراء عملية الولادة القيصرية لها، لذا اعطيت شيئاً من الخزين الضئيل المتبقي من مادة التخدير، كما أمضت إحدى ابنتيها عدة أيام في قسم العناية
المركزة.
ولكن بعد اسبوعين تحسنت صحتهم جميعاً واستطاعت العائلة ان تغادر المستشفى.تقول ياسمين: “ها نحن قد عدنا للعيش تحت خيمة ليست فيها اهم مقومات الحياة الانسانية. لك ان تتخيل .. ثلاثة أطفال خدج مولودون قبل أوانهم ويحتاجون الى اقصى قدر من العناية، لكنهم يعيشون تحت خيمة.”
عن صحيفة الغارديان البريطانية