الكراهية شتاء القلب

منصة 2024/10/07
...

 حبيب السامر

سألني صاحبي ذات مرة، لماذا هذه الكراهية بين بعض الناس؟ وهي تأخذ أشكالا أميبية، وتتضخم حجومها حتى تكاد تنفجر، صَمَتُ لحظة وتأملتُ عينيه وهما يشعان بالأمل والمحبة والهدوء، فرحتُ حينها وقلت: هذه طبيعة بشريَّة وخصال جُبِلوا عليها من محيط ملوث وبيئة غير صالحة، مثلها تجد الألفة والحب في الجانب الآخر للناس وللمجتمعات. ومن هنا ندرك جيدا أن الإنسان يولد صفحة بيضاء، ينمو وسط بيئات مختلفة في التوجه والخطاب والاصغاء وسماع الآخر، تبدأ الصفحة باستقبال تلك الخطوط الرفيعة منها والغليظة أيضا، ويُرسم عليها نوتات مختلفة منها الهادئة والصاخبة، وأحيانا تفسد بياضها نوتات دخيلة فوضوية، وتدخل تلك الورقة في مرسم وورش فنية عديدة تتلقى أنواع الألوان، يبهجها اللون المتناسق واللوحة الجميلة، ويشوه ذلك البياض الصقيل رشة لون لشخص مريض يدّعي التشكيل. هكذا إذن تمر الورقة بمراحل متنوعة وبدرجات حرارة لا حصر لها، من هنا نعرف كيف تتسلل الكراهية إلى النفس البشريّة، وبالمقابل هناك من يتسلح بالرحمة والمحبة والسلام، البيئة وما يحيطها تشكّل العوالم الحاضنة لتلك المعطيات الأخلاقية المقبلة.

وتبقى لغة الحب هي الأكثر طمأنينة في النفس الإنسانيّة، كونها ترسم مسارات الحياة بخطوط متوازنة وراحة نفسيَّة تنعم بالدفء والحنان وتتقن فن الحوار الذي يأخذنا إلى نتائج من دون تشنج وسخريّة وتمسك بالرأي، كما وهي التي تربّت على احترام الرأي الآخر، قدحَ في رأسي قول فكتور هيجو" الكراهية شتاء القلب"،  كونها تقتات على مشاعر الانتقام والحقد واللؤم. 

قديما كان الرجل يقابل خصمه وجها لوجه، يقول مشكلته ونقاط خصامه ومناطق تنازعه بالمباشر أو بحضور أشخاص معينين، يتحاوران حتى يصلا إلى قناعة متشابهة أو مختلفة، ويذهب كل طرف إلى قومه، قد يصل هذا الخصام إلى محبة مقبلة، وقد يتطور ذلك بعد اختلاف الآراء إلى خصومات كبيرة تتطور إلى نزاع أكبر، أما الآن وبفعل التطورات التقنية الحديثة، والتقّنع خلف "الكيبورد" وشاشة "الموبايل" واستخدام العبارات عن بعد، حتما يتشعب الحديث في هكذا موضوع معقد وشائك تنوعت أدواتُه، وازدادت خطورته كثيرا على حياة الناس الآمنة والهانئة وهي تنعم باستقرار في مناخات مجتمعاتها وعلى السلم المجتمعي، ولو مضينا قليلا لنتعرف على معنى الكراهية العام على وفق مصادرعدة، هي الكلامَ المسيء في الحديث المباشر أو نشر التضادات وعبارات السوء من خلال استخدامِ الإنترنت، من خلال وسائلِ التواصل الاجتماعيّ بشكل عام، بهدفِ مهاجمة فرد أو مجموعة بناء على توجهاتهم المتطابقة والمخالفة بشكل عام، حتى تصل إلى الأهداف التي تزرع البغضاء والأحقاد لخلق تشويه كبير للقيم الساميّة التي تربى عليها المجتمع.

وتتنوع أسباب انتشار الكراهية في مختلف مناحي الحياة وتبدأ كراهية الذات والنفس والإرادة وصولا إلى كره الحقيقة من أسبابها التي تتجمع كلها أو بعضها في الشخص منها الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، التنشئة العائلية غير السوية، غياب الثقة في النفس الناتج عن خلل في تكوين شخصية الفرد منذ الطفولة والنقد اللاذع الذي يتلقاه باستمرار في عائلته ومحيطه، التجاوب السلبي مع المواقف السلبية التي يتعرض لها الإنسان، وبالنتيجة  لننظر إلى قول باروخ سبينوزا: "إنّ الكراهية تزداد حينما تكون متبادلة؛ ولا يمكن القضاء عليها إلاّ بالمحبّة".

ومن الضروري جدا أن نتطرق إلى إجابة على السؤال المهم: متى ظهر خطاب الكراهية؟ نقول وبحسب المصادر المتوافرة ، "ظهر المصطلح في الإعلام لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1989 ليشمل المشكلات التي تتعلق بالخطاب العنصري المؤذي الذى كان محصناً بالقانون الأميركي تحت بند حماية حرية التعبير" . وثمة تعريفات منها: إنه خطاب يحفز على التحيز والعداء ويستهدف شخصًا أو مجموعة من الأشخاص بسبب بعض خصائصهم الفطرية الفعلية أو المتصورة.

أما كيف لنا أن نجابه هذه الكراهية، فتتعدد الوسائل والوسائط  التي أفدنا منها وتتلخص بعد التمعن والقراءة وتدوين بعض الملاحظات التي تسعف هذا المصطلح المتورم في المجتمع، وتبدأ من خلال تحصين النفس  بالخطاب المضاد المبني على حرية التعبير و بناء أسس المعرفة و تبادل الأفكار والآراء، ورفع صوت الحقيقة في مواجهة الكراهية فضلا عن الإصغاءٍ والاستفهام والمشاركة بشكل بنّاء، والدفاع عن حقوق الإنسان، توخي الحذر والتعامل مع الأمل، وتبني العلاج في السلوك الذاتي والعام والاشتغال على تنبيه الذهن والتأمل ومتابعة ترويج الحديث الإيجابي عن النفس وانعكاساته على الآخرين، البحث عن الدعم الاجتماعي وممارسة سلوك الشكر والامتنان والتواصل لتعزيز الجانب المهني وترسيخ أنماط التفكير الايجابي، والتفكير المستمر بتوسيع دائرة المؤثرات الايجابية والاهتمام بالذات والتي من خلالها تشعر بالسعادة. ونبذ التفكير السلبي والتفتيش عن أخطاء الآخرين وتبني تحقيق الأهداف  المنتجة للخير و تنميتها، والسعي الدائم والدائب للتخلص من كره الذات بوسائل متاحة ومنها تقبل الذات والتفكير المستمر والإيمان باستحقاقها المحبة والحديث مع النفس بأفكار إيجابية وممارسة الاهتمام بها ومحاولة الاسترخاء والإحساس بالتفاؤل.