حمزة مصطفى
على مدى أكثر من 7 عقود من الزمن جلس على كرسي الأمانة العامة للأمم المتحدة عدة أمناء عامين،، آخرهم وأفضلهم بلا منازع البرتغالي الأمين العام الحالي إنطونيو غوتيريش. هذا الرجل المحب للسلام والمدافع عن هيبة المنظمة الدولية،، والذي يتطلع لبناء عالم خال من كل أنواع الحروب والعنف والنزاعات،، يبدو في وضع لا يحسد عليه في الوقت الحالي. فخلال العقود الماضية وبالذات خلال فترة الحرب الباردة والثنائية القطبية،، التي استمرت من عام 1945 وهو العام الذي تأسست فيه الأمم المتحدة إلى عام 1991،، حيث بدأ ما سمي الأحادية القطبية كان أمين عام الأمم المتحدة يدير هذه المؤسسة الدولية الكبيرة عبر المساحة،، التي يتفق الطرفان المتحاربان ببرود اميركا والاتحاد السوفياتي تركها دون احتكاك بينهما. مفهوم توازن الرعب الذي كان قوامه إنتاج كل منهما القنبلة النووية هو الحد الفاصل بينهما،، ما يسمح للعديد من المنظمات والاتحادات الدولية بالعمل وحتى التأثير بمن في ذلك منظمة عدم الانحياز وعدد من المنظمات والاتحادات الأخرى مثل الاتحاد الأوربي.
لكن بعدما بدا أن العالم أصبح أحادي القطبية بعد انهيار جدار برلين وزوال الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينيات القرن الماضي وتفرد الولايات المتحدة الأميركية على صعيد السياسة الدولية اصبح العالم أمام وضع مختلف إلى حد كبير،، لقد سمح هذا الوضع بظهور نظرية "نهاية التاريخ" التي بشر بها المفكر الأميركي ياباني الأصل فرانسيس فوكاياما و"صدام الحضارات"،، التي طرحها المنظر الأميركي صموئيل هنتنغتون وهو ما يعني أننا حيال عالم أحادي حتى وإن كان عولميا. لم تستمر طويلا مثل هذه الأفكار والطروحات خصوصا بعد نهوض روسيا ثانية على يد القيصر فلاديمير بوتين وبروز الصين كقوة عظمى منافسة،، بل متصارعة مع الولايات المتحدة الأمر الذي أدى إلى تغيير كبير في قواعد اللعبة والاشتباك معا.
في كل هذه الحقب كان للأمين العام مساحة للتحرك،، كما كان بعضهم جدا كيوت ومنسجما مع ما يريده الأميركان بالدرجة الأولى. لكن الذي نشاهده الآن أمر مختلف تماما. ففي الوقت الذي لم تعد أميركا تتسيد العالم بنهوض روسيا والصين،، لكن المشكلة أن هاتين القوتين العظميين كل واحد منهما حاير بأزماته الخاصة "روسيا مع أوكرانيا" و"الصين مع تايوان"،، الأمر الذي عادت أميركا إلى التفرد وهو ما استفاد منه الكيان الصهيوني،، وبالذات مجرم الحرب نتن ياهو. وفي ظل هذا الوضع شديد الإختلال يبدو منصب الأمين العام للأمم المتحدة في وضع مختلف هو الآخر. ففي حال كان الأمين العام منسجم مع ما تريده واشنطن فإن "أموره تمشي" أما في حال كان صاحب ضمير حي فإنه سيتحول إلى مجرد"مكرود" دولي.. لا يهش ولا ينش.