عادل الجبوري
من يتتبع سيرة ومسيرة السيد السيستاني، سيكتشف طبيعة الاهداف الكامنة وراء استهدافه من قبل الدوائر الصهيونية، فهو يعد من أبرز المرجعيات والزعامات الدينية في العالم الاسلامي، خلال العقود الثلاثة الاخيرة. وبعد الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، اضطلع بدور محوري مؤثر في وضع اسس ولبنات النظام السياسي الجديد، خلافا للرغبات والاجندات والمخططات الاميركية، وفيما بعد، كان له دور مماثل في درء الفتنة الطائفية وتجنيب البلاد الانزلاق إلى اتون الاقتتال الداخلي، على اثر قيام القاعدة الارهابية بتفجير مرقد الإمامين العسكريين بمدينة سامراء، في الثاني والعشرين من شهر شباط- فبراير 2006. في أواخر عام 2005، تجاوزت إحدى وسائل الاعلام العربية واسعة الانتشار في برنامج حواري على المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الامام السيد علي السيستاني، بعبارات واوصاف غير لائقة، وبعيدة عن ضوابط وحدود حرية التعبير، وقد قوبلت تلك التجاوزات برود فعل عراقية وغير عراقية، غاضبة ومستهجنة ومستنكرة. ومثلت ردود الفعل الواسعة، اشارة واضحة وصريحة وقوية إلى أن مقام المرجعية الدينية يعد خطا أحمر لا يمكن لأي كان تجاوزه، ومن يفعل ذلك عليه ان يترقب ويتوقع كل شيء وأي شيء. ومن غير الواضح فيما اذا كانت القناة الاسرائيلية الرابعة عشرة، قد التفتت إلى الواقعة التي حصلت قبل تسعة عشر عاما-والتي ربما لم تكن تل ابيب بعيدة عنها- حينما اقدمت على بث صورة للمرجع السيستاني مع صور اخرى لمجموعة قيادات سياسية ودينية تخطط حكومة الكيان الصهيوني لاستهدافها وتصفيتها، كجزء من حربها العدوانية الدموية على غزة ولبنان.
اذا كانت القناة الاسرائيلية المذكورة، ومن يقف وراءها، قد أرادت جس النبض، وتقييم طبيعة ومستوى ردود الافعال، فإنها تكون بذلك قد ارتكبت خطأ فظيعا، ولم تأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن المساس برمز ديني كبير ومهم جدا، لا يمكن له أن يمر مرور الكرام. وعند التدقيق في مجمل أبعاد الحدث، لابد هنا من الاشارة إلى ان القناة 14 الاسرائيلية، تعد الصوت المعبر عن توجهات وسياسات اليمين الصهيوني المتطرف، وتعتبر من ابرز وسائل الاعلام الصهيونية المدافعة عن جرائم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفريقه الحكومي، وخصوصا ما يتعلق بحربه العدوانية على غزة ولبنان، وهي من المنابر الإعلامية، التي تروج وتثقف على ازالة ومحو الشعب والتراث والتأريخ الفلسطيني الاسلامي، وترسيخ الفكر والنفوذ اليهودي الصهيوني
على كل ارض فلسطين.
ولتلافي تبعات ما قامت به، ادعت القناة بأن إظهار صورة السيد السيستاني باعتباره إحدى الشخصيات المراد تصفيتها، كان أمرا عفويا غير مخطط له، قام به موظف فني عادي، حيث نقلت عن مسؤول القسم المرئي فيها، قوله "إن مصمم الكرافك وأنا اخترنا الصور عشوائيا، فلدينا الكثير من العمل والتغطيات خلال هذه الفترة". وفوق ذلك ادعى المذيع، "ان القناة مجرد وسيلة اعلام، وليست مؤسسة عسكرية أو تدير الدولة، لتقرر من يتم استهدافه أو لا"!. ولا شك ان مثل هذه التبريرات الساذجة والسطحية، لم تكن مقنعة حتى لأوساط اعلامية واكاديمية اسرائيلية تحدثت عبر شاشة تلك القناة ووسائل اعلام اسرائيلية اخرى عن تداعيات وتبعات ذلك.
ومن يتتبع سيرة ومسيرة السيد السيستاني، سيكتشف طبيعة الاهداف الكامنة وراء استهدافه من قبل الدوائر الصهيونية، فهو يعد من أبرز المرجعيات والزعامات الدينية في العالم الاسلامي، خلال العقود الثلاثة الاخيرة. وبعد الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، اضطلع بدور محوري مؤثر في وضع اسس ولبنات النظام السياسي الجديد، خلافا للرغبات والاجندات والمخططات الاميركية، وفيما بعد، كان له دور مماثل في درء الفتنة الطائفية وتجنيب البلاد الانزلاق إلى اتون الاقتتال الداخلي، على اثر قيام القاعدة الارهابية بتفجير مرقد الإمامين العسكريين بمدينة سامراء، في الثاني والعشرين من شهر شباط- فبراير 2006. وفي صيف عام 2014، كان لفتوى الجهاد الكفائي التي اصدرها المرجع السيستاني، الأثر الحاسم في التصدي لعصابات داعش الارهابية ودحرها خلال أعوام قلائل، فيما كانت الدوائر الاميركية والغربية والصهيونية، تروج إلى أن القضاء على ذلك التنظيم قد يستغرق ثلاثين عاما!.
وطبيعي أن ذلك التوجه المبدئي للمرجع السيستاني، الذي ينطلق من الثوابت الدينية الشرعية، والتقدير الدقيق والحرص العالي على مصالح الامة، مثل استمرارا وتعزيزا لتوجهات مختلف مراجع الدين السابقين والحاليين، في التعاطي مع المحتل وفي الدفاع عن قضايا المسلمين ومحاربة اعدائهم.
واتضح ذلك التوجه جليا خلال الحرب العدوانية للكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكذلك الشعب اللبناني، التي انطلقت في السابع من تشرين الاول- اكتوبر 2023. فمنذ الأيام الأولى للحرب، أوضح المرجع السيستاني موقفه المندد بالكيان الصهيوني وجرائمه المروعة، والداعم بكل السبل والوسائل للشعب الفلسطيني، وكان موقفه بنفس الوضوح حيال مجازر الكيان الغاصب ضد الشعب اللبناني، وقد مثل نداؤه التأريخي الصادر في الثالث والعشرين من شهر ايلول-سبتمبر الماضي، بمساعدة واغاثة الشعب اللبناني، خير برهان ودليل، فضلا عن مجمل مواقفه الداعمة عمليا لنضال الشعب الفلسطيني في كل المراحل والأوقات.
من خطط وقرر ونفذ فكرة ادراج اسم المرجع السيستاني في بنك الاجرام الصهيوني، من المؤكد أنه ادرك سريعا حجم حماقته الكبرى بعدما شاهد جزءا صغيرا من ردود الافعال. ومثلما قال الباري عز وجل (.. ولا يحيق المكر السيئ الا بأهله).. وقد تكون مشكلة الكيان الصهيوني انه حتى الان لم يستوعب حقيقة انه كلما امعن في اجرامه، كلما غاص وغرق مستنقع خسائره وخيباته وانكساراته.. وحقائق الواقع على الارض تكشف وتؤكد وتثبت كل ذلك.