ويتني بوك
ترجمة: بهاء سلمان
باعتبارها من أكثر المؤسسات الفلسطينية ظهورا في الحياة الثقافية الأميركية، وجدت المطاعم الفلسطينيّة نفسها في دائرة الضوء بطريقة جديدة خلال الفترة الماضية من القصف الإسرائيلي لغزّة.ابتهج البعض لأنهم تمكّنوا أخيرا من إدراج مطاعمهم على محرك البحث غوغل كفلسطينيين، على عكس الشرق الأوسط أو البحر الأبيض المتوسط الأكثر غموضا، ووجدوا قاعدة عملاء جديدة من خلال أشخاص يتطلّعون إلى إظهار تضامنهم.
ووجد آخرون أنفسهم فجأة منغمسين بتقييمات نجمة واحدة مصممة لتدمير تصنيفاتهم عبر الإنترنت، فيما كان غيرهم قد تعرّضوا للسرقة، أو حتى تلقوا تهديدات بالقتل بمجرّد عرض هوياتهم الفلسطينية الأصل.
وعلى هذه الخلفية شديدة الاستقطاب، يتصارع العديد من أصحاب المطاعم الفلسطينيين الأميركيين مع قوة الطعام وحدوده باعتباره صانع تغيير ثقافي، وخاصة عند قراءة التقارير عن المستوطنين الإسرائيليين الذين يدمرون شاحنات المساعدات، بينما تشتعل المجاعة في غزّة نتيجة لما وصفه مسؤولو المساعدات بأنها «المجاعة البشرية الصنع».غالبا ما يتم تكرار المثل القائل بأن «الطعام يجمع الناس»، ولكن يتم تطبيقه بسذاجة في بعض الأحيان. ذات مرة، سخرت مؤلفة كتاب الطبخ الفلسطينية ليلى الحداد من الموقف القائل بأن الحب المشترك للحمص بين الإسرائيليين والفلسطينيين يمكن أن يمحو، بطريقة ما، الحاجة إلى محادثات أعمق حول الحقوق الأساسية للشعوب؛ مثل «حمص الكومبايا».على الرغم من هذا التوتر، يحاول العديد من أصحاب المطاعم الفلسطينيين في الولايات المتحدة الاستفادة من مكانتهم من خلال برتوكول الضيافة لسرد قصص إنسانية عن الفلسطينيين، وجمع الأموال لإطعام الفلسطينيين على الأرض وإجلاء ذوي الحالات الانسانية من المناطق الخطرة، والدعوة أمام المسؤولين المنتخبين، وأكثر من ذلك. والتقت صحيفة الغارديان ثلاثة منهم للحديث عن تجربتهم في إطعام الناس، وتمثيل فلسطين لهم، على مدى الفترة الماضية من شهور الحرب.
إنكار الهوية
يقول كمال كمال، مؤسس مشارك في بابا بانتري، كانساس سيتي، ضمن ولاية ميزوري الأميركية: «إفتتح والدي بضعة أعمال تجارية، منذ زمن بعيد. في السابق، كان يحاول دائما العمل تحت ستار البحر الأبيض المتوسط أو الشرق الأوسط على نطاق واسع، لكنه لم يعرّف نفسه أبدا على أنه فلسطيني، وأنا أفهم تماما السبب. هذا ما اعتاد عليه والدي عندما وصل إلى هنا مطلع عقد السبعينيات، حيث لم يكن من المفترض أن تكون فلسطينيا ظاهريا وفخورا، لأن الفكرة هي أنك ترتبط على الفور بالعنف. كان هذا التبرؤ من الهوية الفلسطينية منتشرا لفترة طويلة جدا، حيث لم أر الكثير من المطاعم الفلسطينية أثناء نشأتي». يمضي كمال بالقول أنهم افتتحوا مطعم بابا بانتري خلال العام 2021 من دون معرفة ما سيحدث، معلقا: «ربما تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لوالدي؛ لقد أصبح أكبر سنا الآن.. دعونا نكون فلسطينيين فقط، فقد حان الوقت.. دعونا نصنع ما نصنعه ونمتلكه فقط، كان جزء من امتلاك هذا السرد هو فهم أننا جزء من الشتات الأكبر، فعائلتنا فلسطينية، ولأسباب عدة، علينا أن نعيش خارج فلسطين. كيف يبدو ذلك في مطبخنا وثقافتنا؟ ليس لدينا إمكانية الوصول إلى بعض المكوّنات، ولن يكون الطعام كما هو الحال في المنزل.. فقررنا قبول ذلك، لأن هذا هو واقع عيشنا في الولايات المتحدة».
ويختتم هذا الرجل حديثه قائلا: «لقد تم استقبالنا بشكل جيد حقا بشكل عام، وهذا باعتقادي مرده إلى أن والدي كان جزءا من المجتمع لفترة طويلة، فقد كان من أوائل الذين جلبوا الحمص إلى مدينة كانساس، لذلك يعرفه الكثير من الناس.. لا أعتقد أننا مفهومون تماما بعد، لكن هذا يمنحني التفاؤل بأننا نحظى بمزيد من الاهتمام، لأنني أعتقد أن الإنسانية عامل كبير في كوننا فلسطينيين».
يلعب الطعام دورا في ذلك لأنه غذاء مباشر للجسد والروح. فعندما تقدّم الطعام، يغادر الناس وهم يتمتعون بفهم أفضل واتصال لم يكن ليحصلوا عليه أبدا. عندما تجلس وتشاهد مطبخ شخص ما وترى العمل والفكر والتاريخ المبذول فيه، لا يسعك إلا أن تتأثر وتتعاطف مع قضيته.
أما لؤي عيسى، المؤسس المشارك لمجموعة هولي باكيتس، بريدجفيو، وسط ولاية إلينوي الأميركية، فيقول: «نحن من أصل فلسطيني، أنا وشريكي التجاري، ونعيش في حي يغلب عليه الفلسطينيون، خارج شيكاغو، ويشار إليه أحيانا بإسم «فلسطين الصغيرة». أذهب إلى فلسطين كل عام؛ لدي أجداد وخالات وأعمام هناك. أنا أحب المكان، وأحب الثقافة هناك».
ضريبة النجاح
ويستذكر لؤي بعض الحوادث التي وقعت مع بداية حرب غزة الحالية، معلقا: «لقد تلقى مطعمنا تهديدات بالقتل، وهاجمنا أشخاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأننا صريحون جدا في موقفنا بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. كان لدينا صندوق تبرعات ضخم يحتوي على عدة آلاف من الدولارات لصالح المتضررين في قطاع غزة، لكن جاء أحد الأشخاص وقام بسرقته، كما يهاجمنا الكثير من الأشخاص عبر موقع غوغل، ويعلقون على منشوراتنا بتقييمات مزيفة، وكل هذا يحصل بينما يتعيّن علينا الجلوس هناك، كأصحاب أعمال وكأميركيين عرب يعيشون في الولايات المتحدة، وترتب علينا مشاهدة مقاطع فيديو لأطفال حديثي الولادة، من مستشفيات غزة، يموتون جوعا. لقد كان الأمر صعبا، لكننا ما زلنا هنا، ونمضي قدما».
صحيفة الغارديان البريطانية