عبدالأمير المجر
تجاوز العراق جميع الظروف الصعبة، وصار في السنين الأخيرة ينهض بسبب قوته الاقتصادية وثروته البشرية التي تميزه عن غيره من دول المنطقة، اذ بعضها يمتلك ثروة اقتصادية كبيرة، لكنه لا يمتلك الثروة البشرية والبعض الآخر بالعكس، إلّا العراق فهو يمتلك الثروتين، لذلك ظل رقما صعبا وعصيا على الطامعين وإن ناله الكثير من الأذى! العراق اليوم دولة مؤثرة بموقعها الاستراتيجي الذي سيجعلها ميدانا للتواصل مع أوربا والعالم من خلال طريق التنمية، وأيضا لأهميتها لاستقرار المنطقة ومعرفة دول الغرب الكبرى وكذلك دول الشرق بهذه الأهمية، ما جعل أنظار العالم تتجه إلى العراق وتعمل على التواصل معه اقتصاديا، ولعله اليوم بات مؤهلا ليكون لاعبا بارزا في الشرق الأوسط، بعد أن استقر أمنيا إلى حد كبير وفي طريقه إلى الاستقرار السياسي، أو أن العالم يحتاج إلى عراق مستقر سياسيا، ليضمن التعامل معه اقتصاديا، ومن هنا فإن دور العراق صار يكبر تدريجيا وبات حقيقة ملموسة في السنين الأخيرة، بعد أن خفتت أصوات التقسيم والصراعات الجهوية التي جعلت العملية السياسية العراقية بمثابة ميدان للصراع الإقليمي والدولي، نتيجة لغياب الإرادة الوطنية وغياب الرؤية الاستراتيجية للدولة، إلا أن هذا الواقع وإن ما زالت له ثمالة باقية إلّا أنها في طريقها إلى الزوال، لان اندفاعة العراق إلى الأمام يصعب إيقافها بمشروع جهوي أو طائفي على حساب المصلحة الوطنية العليا.
في الحرب الأخيرة التي شهدتها غزة ولبنان ضد اسرائيل، كان موقف العراق الدولة واضحا، اذ كان وما زال مع حق الشعب الفلسطيني وفي الوقت نفسه ظل داعما لحل الدولتين، كونه الحل الوحيد الذي سيعيد الاستقرار والأمن لشعوب المنطقة وينهي حالة اللا استقرار التي استمرت لأكثر من سبعة عقود، وقد كان هذا الموقف الرسمي يعكس ارادة شعبية باتت تتطلع إلى مرحلة جديدة من السلام الذي يؤمّن حقوق الجميع، ويجنب المنطقة التوترات ويبعدها عن المزايدات التي لم تجن منها الشعوب سوى الخراب وضياع الأرواح و الثروات والزمن المهدور، وهو ما بات الكثيرون يدركونه اليوم ويتطلعون إلى ثقافة سياسية قائمة على مبدأ التفاهم بين الدول والتعاون بين الشعوب لان التجربة اثبتت أن أمنها الاستراتيجي جميعها لا يتحقق بوجود حالة صراع، سواء كان بين دولها أو صراع داخل أي دولة منها، كونه ينعكس على الجميع.. العراق اليوم بات مؤهلا للعب دور حقيقي ومؤثر في عملية السلام وحسم الملف الفلسطيني، وأن رؤية عراقية موحدة باتجاه هذا الهدف باتت مطلوبة حتى من الذين لهم اجتهادات مختلفة، لان المصلحة الوطنية العليا يجب أن تكون هي الهدف وأن من بين أهم أسباب تكريس هذه المصلحة، هو حسم الملفات الشائكة التي أرهقت جميع دول المنطقة وتركت جروحا غائرة في النفوس، ويجب أن يتوقف الجميع
أمامها بمسؤولية.