بغداد: نوارة محمد
يكاد لا يغيب عن أذهاننا اسم معلمنا الأول في المرحلة الدراسية، ولفرط ما مارس دوراً أساسياً في سنواتنا الأولى بدت كلمته قانونا يسري علينا وعلى آبائنا، أتذكرهم جيداً وتقدح في ذاكرتي صنوفا متُعددة منهم من رحل وترك أثر عصاه نُدبة فوق أيدينا، ومن صنع منا مادة للتنمّر والسخريّة الغبيّة، ومن جعلنا نكرهُ المدرسة ونكرهُ درسَهُ واسمَهُ وكلّ ما يرتبط به، والحقيقي الذي لم يكن ليمر مروراً عابراً، فكيف كان تأثير المعلمين في نفوس طلابهم؟
يقول الدكتور عصام لعيبي إنَّ "معلمه الأول كان سبباً في حُبّه لمادتي الرياضيات والفيزياء، وعلى أثر ذلك اختار أن يتخصص في قسم هندسة الميكانيك حصل على الماجستير والدكتوراه بعد عام من تخرجه، وقدم بحوث أطروحات عديدة وهو حاصلٌ على براءة اختراع دوليَّة، ويعود سبب هذا كُلّه، أنّ معلم الصف الأول الابتدائي طلب مني حَلَّ مسألة معقدة، قال لي ستكون عبقريّاً، أنا ومنذ ذلك الحين أحاول أن أكون شيئاً مما يعتقد".
ويشرح لنا سامر خليل كيف أنَّ المعلّم يجيد ممارسة دورٍ جبّارٍ في ذلك الوقت، أي وقت نشأته وكيف أنه أثر على شخصيته وسلوكه وكيف نمَّى موهبته: "كان أستاذ عماد هو أول من انتبه لقدرتي على لعب كرة القدم، قال لي إنني لو اجتهدت سألعب في فرق دولية، وبالفعل حدث ذلك، بدأت أتمرن يومياً ساعات طويلة رغم توبيخ والدي، ورغم رفض أمي، إنّه حثّني على عدم إهمال موهبتي وبعمر الثانية عشرة التحقت بمنتخب نادي النفط للبراعم".
ولا تتذكّر نورهان أحمد من معلمتها في الصف الأول ابتدائي سوى حفلة التنمّر التي أقامتها أمام حشد الطلاب على شكل شفتيها تقول: "كرهت شكلي ورسمة شفتّي، لأنَّ ست اديان قالت لي (يلا ام حلك البطة) أنا في وقتها كنتُ أحبس دمعة مترددة النزول، وأحمل ثقل المجيء للمدرسة لأنَّ الطلاب سينعتونني بهذا اللقب، كان هذا أسوأ ما حدث لي في الصفوف الأولى من المدرسة، المعلمة جعلتني أفقد ثقتي بنفسي، وهو ما لم أستطع التخلّص منه، لهذه اللحظة". ولا تنسى سارة صلاح ألم أول ضربة تلقتها من ست كريمة: "حين أخطأت في قراءة الدرس أوقفتني ست كريمة على رجل واحدة طوال الدرس، وفي النهاية صفعتني كفّاً أجزم أنَّ صداهُ يرنُّ في أذني إلى الآن، حينها لم أنم إلا وأنا أحفظ الدروس عن ظهر قلب، خوفاً من ملاقاتي لكفٍّ أخرى، نعم المعلمات جعلونا نحفظ الدروس خوفاً لا حبّاً بالمدرسة والدروس". ورغم أن لارسا كريم جمعت "معدل" يجعلها تدخل كلية طب الأسنان إلا أنّها اختارت أن تتخصص في اللغة الانكليزية، مثل معلمتها التي جعلتهم يتحدثون بصوتٍ عالٍ ومسموعٍ رغم أخطائهم اللغويّة، والقواعديّة، وهي تؤكد؛ "اخترت اللغة الانكليزية وأجدت الحديث بطلاقة بسبب ست سما، اخترت هذا القسم على دراية تامة إنني سأحقق الماجستير والدكتوراه في هذا القسم، وهو ما حدث فعلاً، قد يفلح المعلمون في صنع جيل عبقري كامل، وقد يُحطمون جيل كامل".
ووفقا لأخصائي علم النفس الدكتور حميد يونس فإنَّ المعلم يلعب دوراً كبيراً في بناء شخصية الطالب ويؤثر بشكل أكبر على سلوكياته، كما أنّه يمكن أن يُعزّز ثقته بنفسه على المدى البعيد، ويسهم بشكل كبير في ترسيخ الأفكار والمعلومات في ذهن الطالب".