د. أثير ناظم الجاسور
في كل مرحلة من عمر هذا النظام الواسع والمعقد والمتشابك في نتائجه يواجه الجميع مجموعة من التحديات، التي بالضرورة تلعب دورا في تحديد مستويات التفكير الإنساني، لما يستند عليه من معطيات وفق مقتضيات هذه المرحلة أو تلك، فعالم اليوم، وبالرغم من جملة العوامل التي تُحدد مستقيمات العلاقة بين هذا الطرف أو ذاك، والتي تسعى إلى تشكيل نظام قائم على معايير مختلفة تتعارض مع ما تم طرحه، سواء في الجانب التنظيري أو ذلك التنظيمي المتمثل بسلوك الدول على أرض الواقع، بالتالي ولد انطباعات عن عالم ملؤه تمدد وتوسع وهيمنة واعتداءات، تجاوزت كل الحدود والخطوط في سبيل تحقيق غايات، همها الأول المصلحة الذاتية، التي تترجم تلك الغايات مهما كانت النتائج.
بالمقابل هناك عالم موازٍ لهذا العالم أيضا تم تشكيله نظرياً وعملياً يعمل على وجود مجموعة من القوانين والضوابط، التي تحدد سلوكيات وإجراءات الدول ضمن معيار أخلاقي للذين يرون أن التوجهات المانعة لعدم الاستقرار الناتجة عن حروب وصراعات لا نهاية لها بالضرورة توجهات اخلاقية، في هذه المساحة الكبيرة من العلاقة التي يتم بناؤها وفق قواعد السياسة الدولية يتطلب التوجه صوب الحلول العادلة أو في أضيق الحالات الحلول المرضية، وهذا لا يعتمد على حجم ومساحة الدولة بقدر ما يعتمد على ثقلها وقدراتها السياسية المرسومة، ضمن سايكولوجية النظام السياسي، الذي يُعزز قدراته في جوانب مختلفة بقدراته الثقافية والحضارية وعمقه الفكري والعملي.
منطقة الشرق الأوسط وللحصر اكثر المشرق العربي اليوم يعد من أسخن، لا بل يعاني من انفجار بركاني تتساقط حممه على رؤوس الأبرياء، سواء في فلسطين وما تعانيه غزة أو من جراء ما يحصل من دمار في لبنان، هذه الحرب وحيثياتها ومعطياتها قطعاً معلومة للجميع دون الولوج في تفاصيلها، بعد أن أشبعت بحثاً وتحليلاً ودراسة، ما هو مهم اليوم مساعي الحلول السلمية، التي تُخلص الأبرياء من ويلات هذه الحرب والتوجه صوب متبنيات الصورة الأخرى من هذا العالم المتنافس، فالمساعي الدبلوماسية والجولات وطرح الحلول والتفاهم حول إيجاد صيغ مناسبة لمنع قتل عدد اكبر من الأبرياء بات من ضرورات عمل الدول، والسؤال هنا هل بالاستطاعة أن يتم رسم خارطة جديدة تطوي صفحة هذا القتل المستمر، وعلى عاتق من تقع المسؤولية؟، بديهيا ومعروف للعالم اجمع على عاتق من تقع مسؤولية منع أو وضع نهاية لهذه الحرب، لكن من يرسم ومن يبادر هنا تبدأ الانطلاقة.
العراق عانى من ويلات الحروب والإرهاب والاعتداءات، وكل ما له من علاقة بعملية الهدم والحرق والقتل، بالتالي فللعراق القدرة على فهم حاصل فعل ما يحدث وهذا يفسح المجال، ليكون أرض سلام من خلال دبلوماسية متوازنة مبنية على توأمة المزاج السياسي مع الاجتماعي، مروراً بالمزاج العام الإقليمي والدولي الداعي لإنهاء هذه الاعتداءات.
الخارطة الدبلوماسية العراقية تتضمن الشروع في:
1- رسم مستقيمات الحوار من خلال الاعتماد على الأطراف الأكثر تأثيرا على أطراف الحرب، وليكن العراق هو منطلق هذه التفاهمات بعد وضع الضمانات الكافية من إنهاء الدمار الحاصل
2- تقريب وجهات النظر الخاصة بالقوى الاقليمية والعالمية لفسح المجال لكل الأطراف من طرح ما لها وما عليها.
3- البدء بعقد مؤتمر حتى وإن كان بأضيق حلقاته يشمل كل الأطراف العربية المؤثرة وغير العربية لإيجاد الحلول المناسبة لهذه الأزمة.
4- من خلال المؤتمرات واللقاءات تبدأ محاولة ترميم العلاقات المتصدعة بين الأطراف الأساسية في المنطقة، والتي بدورها تساهم في تعزيز فكرة بناء السلام وفق القياسات العراقية.
5- تشكيل فريق دبلوماسي يعمل على فتح مجالات الحوار بين الأطراف من خلال زيارات مكوكية للدول الاقليمية والاطراف خارج هذا النطاق، التي تساهم في تعزيز الجهد الدبلوماسي.
6- دعم صانع القرار العراقي لكل المبادرات الداعية للسلام، وجعل أرض العراق المنطلق والاساس لها من خلال دبلوماسية القمة التي أيضا ستساهم في خلق أجواء مغايرة.
كثيرة هي الإجراءات الدبلوماسية والتحركات التي تساعد على رسم صورة جديدة لعراق قادر على أن يكون منطلق السلام في المنطقة من خلال الإيمان بالقدرات ومن ثم المبررات الداعية له.