محمد غازي الأخرس
مررت قبل فترة بمصطلح "ذب الجرش"، التي يلجأ لها المبعدون أو الخارجون من عشائرهم، واليوم أود التوقف أمام من يبقى أو يختار أن يبقى بدون انتساب عشائري، في مدننا الحالية. هنا يصادفنا توصيف انتقاصي يطلقه الناس عليه وهو قولهم "مكطم"، أي مقطوع من عشيرته، والقطم هو القطع، قطم يقطم قَطْمًا، فهو قاطِم، والمفعول منه مَقْطوم، وقطم الرغيف قطعه، ويطلق المصريون على الرجل الذي يتعرض للهزات النفسية والخسائر : مئطم، وعندهم جبل يدعى المقطم أيضاً، وإنما سمي كذلك لانقطاع الخضرة.
المهم توصيف "المكطم" للرجل للتدليل على احتقاره، من باب أنه ما يطرد من عشيرته إلا لسوء أخلاقي فيه أو عار أتى به. وغالباً ما تضع العشائر معايير تطرد وفقها المسيئين فيكونون "مكطمين".
وقد تتفق الأفخاذ المكونة لعشيرة كبيرة أحيانا فيما بينها على عدم استقبال المطرودين منها، والغرض هو التنكيل بهم ومعاقبتهم وجعلهم لقمة سائغة للآخرين، وهو عقاب رادع للبقية. وفي العادة يتعامل الناس غريزيا مع "المكطم" باستهانة شديدة، فيستضعف وينظر إليه بازدراء، وقد يتعرض للنبذ اجتماعيا، فإن تقدم لخطبة فتاة ردوه، وإذا أصابته مصيبة لم يؤازروه. إنه "مكطم" بنظرهم، ولا يستحق الاحترام.
الحال أن ظاهرة غير المنتمي لقبيلة إنما ظهرت في المدن العربية وليس البوادي، ففي البوادي كان الخليع والطريد واللعين يذهب إلى الصحارى بحثاً عمن يحميه، ودائماً ما يجد الحماية. يكفي لمثله أن يمسك حبل خيمة شيخ بدوي مستنجدا به فينجده ولو كان قاتلا أو سارقاً. في المدن يختلف الأمر كثيراً، فأنت إن لم تلجأ إلى عشيرة، فستظل بحكم "المكطم"، المعرض في أي وقت للاستباحة، ولنا مع الموضوع عودة فانتظروا.