هدى عبد الحر
فن الخزف من أعرّق الفنون الرافدينية القديمة التي عرفها الإنسان العراقي منذ فجر الخليقة. وظلت معه طويلا، فلا يمكن تحديد تاريخ زمني محدّد لنشأته وبدايته، فهو ضرب من الإبداع والجمال والتصوير رافق الإنسان في حله وترحاله، ومن ثمّ كان عبارة عن سجل أمين يحمل بصمة عصره، حيث رسم ونقش عليه الإنسان الأوّل بوادر ردود فعله نحو الطبيعة، فظهرت رسومات بدائية عفوية شكّلت وعي الإنسان، ورسخت حضوره على مقتناياته، وأشارت إلى موطنه وما كان يحتوي أو بماذا كان يتأثر هذا الإنسان، ثم كان بعد ذلك أحد الفنون الاسلامية التي لبت حاجة المجتمع للكثير من الأدوات، وما هذا التحف الخزفية التي نراها في المتاحف إلاّ نتاجات فنية بقيت على مدى العصور شاهدة على عظمة هذا الفنّ. وقد أمتاز الخزف بتعدد مستوياته الجمالية على مستوى الأنساق بأشكاله المختلفة والمتنوعة، كما صوّر الشكل الخزفي مشاهدات بصرية لها دلالات تاريخية، وقد تعددت هذه الدلالات بين الواقعية التعبيرية والرمزية ومن ثم التجريدية التي جاءت في فترات متأخرة.
ولنا أن نتخيل الخطوات الأولى التي اكتشف بها الخزف، فهو كأغلب الأشياء بدأ بمصادفة فالطين النظيف والنقي الذي كونته مياه الأمطار أو السيول، احتاج إلى مصادفة ثانية حريق عفوي جعله يتصلب ويتغير نحو شكل جديد ومن ثم فهم الرائي أن الخزف يحتاج إلى النار ليتكون بهذا الشكل الجميل.
والخزف كان لأزمنة طويلة يمثل حاجة أساسية وضرورية لا غنى عنها كما قلت سابقا، أما اليوم فصارت جزءا من الترف والتحف والزينة، لكن نلحظ غيابه بشكل كبير من ديكورات البيوت العراقية. فلماذا هذا الغياب غير المسوّغ؟
الحقيقة أن نشر ثقافة الخزف وجعله من الأمور التي يمكن اقتانها مهمة ليست سهلة ولكنها ليست مستحيلة أبدا، فمن خلال وسائل عديدة يمكن أن نجعل من الخزف بأشكاله كافة يعود للواجهة، فمثلا في المسلسلات المحلية يمكن أن نظهر بصورة غير مباشرة بعض القطع الخزفية في المشاهد، ومن ثم نجلب نظر المشاهد إليه ولا يخفى على أحد دور التلفاز في نشر أي ثقافة، وكذلك من خلال الصفحات الترويجية لهذا الفن التي يمكن أن تلعب دورا في إعادة الخزف ليكون في الواجهة الجمالية للبيوت. وهناك طرق أخرى متنوعة تعيد لهذا الفن الراقي والأصيل هويته التي تجعل منه جزءا من الموروث الذي يجب الاعتناء به.