سمير صبيح... تجربة بلون الحياة

ثقافة شعبية 2024/10/24
...

 سعد صاحب

التجربة تأتي بعد الموهبة في اهميتها الشعرية، والشاعر كلما عاش تجاربا منوعة، وكان قريبا من فوهة البركان، كانت قصيدته قريبة من هموم الناس، ومن مشاغلهم الحياتية العامة . والتجربة مزيج غير متجانس من الاخطاء والفضائل، وبعد أن يجري الإنسان مختلف الاشياء الضارة والنافعة، في مسيرة العمر الطويلة، ينحاز في النهاية للجيد منها ويترك الردي ، وكل ما نمر به من التجارب، يمنحنا القوة والعزيمة والصلابة والمثابرة والصمود، للتغلب على الفجائع، وهاهو ينبهنا بدراية تامة ويوخز الجراح النائمة .( يا روحي الايده بجمر/ مو مثل الايده بماي/ مليت من الحچي/ الذيب غط الغنم/ والراعي يعزف ناي ). لا أنسى تلك الغجرية ذات العيون الغريبة، ولا أنسى الوشم الملتف على يديها مثل الثعبان، ولا أنسى ما تنبأت به بشأن مصائر الجنود، وكانت النبوءة صادقة . ( بفنجاني تقره وقرت/ ضيم وماسي وتعب/ گلتلها هذا المضى/ گالتلي هذا الجاي ). وحينما قرأت خطوط يدي قالت: حياتك سلسلة طويلة من المواجع، لا تنتهي حتى نهاية العمر، وحينها وطنت نفسي لكل المصائب، ابتداء من تجربة الأسر المريرة، وانتهاء بفقدان الاحبة، والاعتبار من كل وداع وفراق ورحيل وخسارة .( صحراء تگضي البقى/ بس الرمل والشمس/ ما تلگه بيهه افياي ).

زوال
يتمنى الإنسان أن يتوقف عن الكبر في عمر الشباب، ويعيش ما تبقى سالما بلا مرض او شيخوخة او زوال، لكن طبيعة الوجود، تفرض على الكائن البشري القبول بهذه النظرية الصعبة، وأن يؤمن بها على مضض، فهو في بدايته نطفة في صلب الأب، ثم جنين في رحم الأم، وبعدها تأتي الولادة والنمو وحرق المراحل، منذ الطفولة الباسمة إلى المشيب، إلى ذهابه منفردا في حفرة مظلمة .( گلتلها هذا البشر/ بصرخه ابتديت العمر/ وصرخات من ينتهي/ محد يروح وياي ). نجح الشاعر بكتابة هكذا نوع من القصائد، المختصة بإدانة أهل الكذب والزور والخيانة والمساومة والوصولية والمديح، وهذا النجاح دفعه أن يكرس جهده الشعري في هذا المجال، وأبدع في رصد حالات النفس ومطالبها العجيبة، ما بين سقوطها في الحضيض تارة، وتارة بارتقائها سلالم العلياء والمجد والخلود. ( وين الخلل بالزمن/ مدري الخلل بالبشر/ محد يفسر هاي ).

غرور
من أخطر الأمراض النفسية التي تصيب الفرد الغرور، فهو مقبرة الطموح والحلم والتطلع إلى غد جميل، وهو الخطوة الأولى في طريق السقوط، والمغرور رجل أناني تافه التفكير، يعاني من أمراض خطيرة، والمغرور عربة فارغة لا يصدر منها سوى الضجيج، تؤلم رؤوس الناس دائما وتزعجهم، ولا فائدة من دورانها الملل القبيح، وأن خادم الخادم فاق سيده تكبرا، كما يقول المثل النيجيري، وصاحب الكرامة والاعتزاز بالنفس والكبرياء، لا يراه إلا شبح تائه في دهاليز الظلام .( الكبر خياله الضوه/ ما شوفه نفس الحجم/ غيري اليشوفه اهواي ).

مشاعر
كل فراق بعده لقاء وكل لقاء بعده فراق، وأروع المحبين من لا يفكر بالابتعاد عن الحبيب، وهناك من يعتقد أن الانقطاع، هو الحل الشافي لكل المشكلات، وبالنتيجة تزيد الامور تعقيدا، والعاشق اذا تبنى فكرة النسيان تحاصره الذكرى البعيدة، ولا يتمكن أن يكون خاليا من الحب، فلا طاقة للقلب على الهجران، ولا قوة تدفع الروح إلى مقاومة الحنين .( بس يلردت تبتعد/ لا عندي حيل الصبا/ او طيحتك مو بهداي ). المشاعر ليست للشراء او للبيع او للايجار، ومشاعر العشق أصدق من كل الانفعالات الانسانية الاخرى، وهي الحقيقة العارية بحسب جون راي، وربما تطيب الجراح وتتشافى، لكن جرح الود يبقى يسيل إلى الابد، وكما يعتز البدوي بخيمته الغالية، لا يفرط الشاعر بحبه القديم .(  بدوي اعلى بيت الشعر/ للبيع ما ينكتب/ طبق الاصل حبي الك/ ما بدله بدنياي ). والثائر المتمرد مهما حاول المشاكسة، والوقوف أمام الخطوط الحمر والموانع، وعدم الانصياع إلى الاعراف السائدة، في الآخر ينصاع لقوة المجتمع القاهرة، ويغادر تلك الحساسية الجالبة للمتاعب .( وآخر كلامي الك/ ويا الحار حار انگلب/ ويا البارد ابرد بعد/ طبعي القديم انتهى/ قررت اصيرن
ماي).