عزيزي دكتور قاسم
كنت طالبتك بقسم علم النفس، وأذكر أنَّك قلتَ في إحدى محاضراتك إنَّ الإيمان بالجن وتحضيرهم ورؤيتهم عرضٌ من أعراض الفصام (شيزوفرينيا)، وكنت مؤمنة بما قلت الى أنْ قيل لي عن كاتبٍ عراقي أنَّه يتحدث مع (جني). وبدافع فضولي العلمي الذي زرعته فينا، فقد ذهبت إليه مع زميلي والتقيته، وأدهشني أنَّه بدا لي إنساناً طبيعياً، لكنَّه على يقين بأنَّه يلتقي مع (جنّي) وأنه يسأله عن أمورٍ كثيرة وقضايا خطيرة ويجيبه، منها أنَّه يحاوره بما يحصل في لبنان الآن، وأنَّه أخبره بأنَّ هناك مفاجأة لا تخطر على بال السياسيين والناس ستحصل قريباً.
قد يبدو الأمر مضحكاً لكثيرين، لكنَّني لا أخفيك أنَّ مظهره وطريقة كلامه وثقته بما يقول، جعلتني أعيد التفكير بما درسته وتعلمته، لكنَّني أرجأت الحكم على الحالة الى أنْ أستشير أستاذي في سؤالٍ واحدٍ هو:
• هل يمكن أنْ يكون الفصام مثيراً لبعض القوى الباراسايكولوجيَّة؟
دكتورة سعاد – جامعة بغداد
عزيزتي دكتورة سعاد
الفكرة المأخوذة عن الفصام (الشيزوفرينيا) أنَّها نوعٌ واحدٌ، بينما هي على أنواع، أبسطها الفصام العادي (يستطيع العيش بين الناس)، وأعقدها من يرتكب جريمة قتلٍ حتى بأعز ناسه، وتتذكرين يوم أخذتكم بزيارة علميَّة لمستشفى (الشماعيَّة) وعرضت عليكم رجلاً يحمل بكالوريوس إدارة واقتصاد من لندن، قتل أمَّه لأنَّه يشكُّ فيها أنها تريد أنْ تضع السم في طعامه.
ولجنابكِ وقرّاء الصباح نوضح: إنَّ أبرز عرضين في المصاب بالفصام هما: الهلاوس، تأتيه بصور عقليَّة قويَّة يراها كما لو كانت حقيقيَّة، ويسمع أصواتاً لا يسمعها الجالسون معه. والثاني: الأوهام، وتعني وجود معتقدات أو أفكارٍ لدى الفرد لا يوافقه عليها الناس، وأصعب حالاتها، ليست تلك التي تخصُّ اقتناع الفصامي بمعتقداته الخاطئة، بل سعيه جاهداً لإقناع الآخرين وحملهم على التصديق بمعتقداته، التي هي عنده يقينٌ مطلق.
ومع أنَّ التشخيص الدقيق لحالة (هذا الكاتب) يتطلبُ فحصه طبياً نفسياً، ولكنْ ما ذكرتيه يوحي أنه يعاني حالة اغتراب حادٍ ناجمة عن كرهه واشمئزازه لواقعٍ يراه لا يليق بالبشر، وعجزه عن تغيير هذا الواقع الى حالة مثاليَّة أو عالمٍ خيالي يخلقه روائيٌ رومانسي. ولأنَّه عاجزٌ هو عن خلق ذلك، ولأنه يائسٌ بالمطلق من الناس في تغيير واقعهم (القبيح)، فإنَّه استعان بمن يستطيع تحقيق من يأتي بالملكة بلقيس برمشة عين، وأنَّ تكرار لقاءاته وحواراته مع (هذا الجني!) هو إقناعه بأنَّه قادرٌ على أنْ يقلبَ عاليها واطيها.
ومع وجود تشابهٍ بين عرضي والهلاوس في الفصام والباراسايكولوجي في التجلي والقدرات الخارقة، فإنَّ الأعراض التي عند صاحبنا الكاتب لا علاقة لها بالقوى الباراسايكولوجيَّة من قبيل الجلاء البصري ومعرفة الحدث قبل حدوثه.
وأبلغيه أنَّ حالته لا تدعو الى القلق (الآن)، فهناك كتاّبٌ وفنانون أصيبوا بالفصام وتزوجوا وأنجبوا. وإذا كان عمره قد تعدى الثلاثين عاماً فإنَّه في أمان؛ لأنَّه يندرُ أنْ يصابَ بالفصام من تعداها.
ولكنْ إنْ استمرَّ في عالم الهلاوس والأوهام، عندها ساعدي أهله بابتكار طريقة أو حيلة لتوصله الى طبيبٍ نفسيٍ متخصصٍ بالفصام، ونحن حاضرون للتعاون معكِ في مساعدته.