علي حمود الحسن
لدي معيار نقدي قد يبدو بسيطاً، لكنه بالنسبة لي معتبراً، هو الانطباع الأول، فالفيلم الذي أستطيع إكمال مشاهدته بلا ملل ولا منغصات، أحسبه جيداً، والعكس صحيح، وهذا ما حدث معي بعد مشاهدة فيلم "الجوكر.. جنون مشترك"(2024) للمخرج تود فيلبس الذي اتفق الجميع، نقاداً وصناع سينما وجمهوراً مهووساً بالجوكر على فشله، لكني لم أجده بهذا السوء، ربما لم يكن بمستوى الجزء الأول من فيلم "الجوكر"(2019)، لكنه من وجهة نظري: فيلم جيد شاهدته بلا ملل، متابعاً أداء خوانكين فينكس وتحولاته وقدرته على التلاعب في ملامحه وكامل جسده، فضلاً عن ضحكته الهستيرية، ورقصه وغنائه بمشاركة المغنية الشهيرة الليدي غاغا بدور حبيبته لي كوين، التي أيقظت في قلبه وجسده الناحل والمتهالك جذوة الحياة والرغبة، فغنى معها ورقص وأشجى، وهي لا تدري أنها قتلت الجوكر الملهم لها وللآلاف من عشاقه في داخله، فآرثر فليك النزيل في المصحة النفسية للمجرمين المختلين نفسياً الخطرين، والذي خضع لجرعات علاج هدت جسده وشوشت دماغه، حتى تحول إلى هيكل عظمي مشوه، لكنه كان محبوباً وملهماً للنزلاء، فهذا الجوكر الذي ارتكب ست جرائم قتل، حولته العلاجات وقسوة الشرطة إلى كائن مستلب، يكاد أن يكون مفرغاً من قدراته التي يتمتع بها ظله "الجوكر" وينتظر باستكانة محاكمته القريبة. هذه النقطة لم يفهمها معظم المتحاملين على الفيلم، فالجوكر (خواكين فينكس) منذ أن مسته شعلة العشق، وهو يسرح في خيالاته مع حبيبته التي تشاركه المصحة، والتي تغذي فيه روح التمرد والعنف وصنع الفوضى، بينما تحاول محاميته أن تركز على المرض النفسي الذي كان سبباً في ارتكاب الجرائم، مؤكدة أنه آرثر فليك وليس الجوكر، ما يثير غضب حبيبته لي التي تعشق الجوكر فيه، يمكن القول أن آرثر بدأ رحلة للتطهر والوصول إلى إنسانيته، بعد أن وجد من يهتم به ويحنو عليه، وإن كانت رفيقته بالسجن، يطرد محاميته ويرتدي ملابس الجوكر ويدافع عن نفسه بطريقة ساخرة، لينهار في النهاية، ويقول أنا لست الجوكر أنا آرثر فليك وأقر بأني مسؤول عن كل الجرائم التي ارتكبتها، أثناء ذلك يفجر محبوه المحكمة ويهربوه في واحد من المشاهد الجميلة، لكن ظلال مشاهد من الجزء الأول واضحة على الفيلم.. لا يفكر إلا بلقاء حبيبته التي يجدها في المدرج الشهير الذي انتهى الجزء الأول فيه وصار مشهوراً في مدينة "جيثام" الكابية، يجد لي ويقول لها أنا آرثر دعينا نكمل حياتنا معاً، ترفضه بقوة، فهي أحبت الجوكر فيه وليس آرثر الإنسان، يعود خائباً فيلقى القبض عليه ويقتل غدراً من أقرب الناس إليه في السجن الذي يطعنه
مرات.
الفيلم ينتمي إلى الأفلام الموسيقية، إذ شكلت الموسيقى والأغاني أكثر من ربع الفيلم، وعلى العكس مما يقوله النقاد معظم الأغاني وإن بدت مملة وأحياناً مغتربة، إلا أنها تصب في البنية السردية للفيلم.