رحيم رزاق الجبوري
لا أحد يشكّ في العشق والشغف الكبيرين اللذين يحملهما ويتغنى بهما الجمهور العراقي في مشاهدة ومتابعة لاعبي منتخباتنا الوطنيَّة، وهم يلعبون على أديم ملاعبنا الرائعة، ولا سيما في ملعب جذع النخلة في البصرة الحبيبة. لكن في بعض المباريات المهمَّة للمنتخب تبرز بعض القضايا والأمور التي يجب الوقوف عليها. ومنها مسألة تنظيم بيع التذاكر بهذه الطريقة الكلاسيكيَّة، وسوء إدارتها؛ والتي تساعد وتسمح لبعض النفوس الضعيفة باستغلال هذا الحدث المهمّ على حساب الجماهير المحبَّة والعاشقة.
وكصحفي ومتابع للمشهد الرياضي، لا أعرف مدى الجدوى من إناطة بيع التذاكر للمتعهّدين؟ لا سيما أنَّ أغلب الدول قد غادرتْ هذا الإجراء واتجهتْ نحو البيع الإلكتروني الذي فيه محاسن لا تُعدّ ولا تُحصى. خصوصاً أنَّ نهج الحكومة الحالي يسعى- بشكل متسارع- نحو التحوّل الرقمي في جميع مفاصل الدولة العراقيَّة ومؤسَّساتها.
وهنا لا نلوم الجماهير التي ألقت باللوم على وزارة الشباب والرياضة واتحاد الكرة، على ما حصل في مباراة عُمان، إذ إنَّ الكثير منهم ابتاعوا تذاكر- بالرغم من ارتفاع أسعارها- لكنهم مُنِعوا من دخول الملعب بحجَّة امتلائه؟ وبعضهم وجدوا أشخاصاً آخرين جالسين في مقاعدهم؟ إضافة إلى ارتفاع أسعار قناني المياه ووجبات الطعام، فضلاً عن قلة الأماكن التي تبيع هذه الأمور الضروريَّة، وكذلك عدم السماح للجماهير الراغبة بالقدوم برفقة مركباتهم لمواقف السيارات القريبة من الملعب؛ بسبب بُعد المسافة بين الملعب والقطع. كلّ هذه الأمور وغيرها سبَّبت شرخاً كبيراً في نفوس الجماهير مما دعاها لعدم القدوم بتلك الأعداد الغفيرة في مباراتنا الأخيرة مع فلسطين، عكس المباراة الافتتاحيَّة مع عُمان، إذ غطّت الجماهير جنبات الملعب وتغنّى بها الاتحاد الآسيوي عبر موقعه الرسمي.
وعليه يجب التذكير بأنَّ الجماهير هي النكهة العطرة التي تنثر رائحتها في أروقة وجنبات وزوايا الملعب. ولا بُدَّ من وقفة جادّة لمراجعة هذا الملفِّ المهمِّ، علماً أنَّ المتتبع يشاهد هذا التراجع في العزوف الجماهيري جيّداً ويرصده، منذ مدّة؛ لا سيما في الديربي الذي جرى مؤخّراً في ملعب الشعب الدولي، بين ناديي الشرطة والطلبة، ولاحظ بأسف حجم الحضور المتدني. فلا قيمة لملعب بدون الجماهير التي تجعل من أيِّ ملعب كان- حتى لو كان متواضعاً- تحفة فنيَّة مبهرة بصيحاتهم وهتافاتهم المبهجة والمحفزة للاعبين!
ولعلّك ترى عزيزي القارئ، الملاعب العالميَّة وتشاهدها غير ممتلئة وذلك قبل دقائق من موعد انطلاق المباريات، لكنّها عند إطلاق الحكم صافرته، تُفاجأ بالجماهير وقد ملأتْ الملعب! وهذا يعود للتنظيم الجيّد والسلس من حيث دخول وخروج آلاف الجماهير دون ضجيج أو شيء آخر. ولعمري، إنه العمل المتواصل والدؤوب والاستمرار في البحث عن كلِّ شيء يجلب الراحة والرفاهية للجماهير وترغّبها بالحضور بشكل دائم. وذلك عبر تقديم مكافآت ماليَّة، أو سفرات ترفيهيَّة، أو الفوز بسيارة جديدة، وهناك فرق أوروبيَّة وصلت لمديات بعيدة في مجال التسويق والتنظيم، وذلك ببيعها تذاكر لموسم كامل لكلِّ من يرغب بحضور مباريات فريقه!
ونحن إذ نسوق هذه الأمثلة، فإننا نسعى لإيجاد طريقة واضحة نكسب بها ودَّ ورضا هذه الجماهير المحبَّة والعاشقة للساحرة المستديرة- بشكل مستمر- والتي غالبيتها من الطبقة الفقيرة والكادحة، وعدم استغلالها بهذا الشكل المجحف. فلا أحد يفرح ويبتهج، وبالتأكيد سيحزن وهو يرى ملاعبنا فارغة بدون جمهور، ويسمع صيحات اللاعبين والكوادر التدريبيَّة؛ وصراخهم المستمر الذي يملأ جنبات الملعب وزواياه المعتمة؟